حالة الأسير الفلسطيني
د.
سُمية عيد
يُعد موضوع الأسرى المرضى الفلسطينيين في السجون
الإسرائيلية من المواضيع المهمة ؛ إذ يُشكل
هذا الموضوع قضية رأي عام لدى الشعب الفلسطيني، نظراً لما تمثله هذه الشريحة (
شريحة الأسرى) من رمز نضالي في إطار التحرر من الاحتلال الجاثم على الجسد
الفلسطيني منذ زمن طويل.
بناءً
على ذلك فقد بلغ عدد الأسرى جراء
مقاومة الاحتلال الغاشم لوطنهم أعداداً
ليس لها مثيل في دول أخرى تعرضت للاحتلال من قبل، إذ أشار تقرير إحصائي لنادي
الأسير الفلسطيني إلى إن عدد الاعتقالات منذ
عام (1967 وحتى أبريل/نيسان 2016م) وصل إلى نحو مليون معتقل، بينهم أكثر
من ( 15 ألف) فلسطينية وعشرات الآلاف من الأطفال، وأكد النادي إلى أن عدد الأسرى
الفلسطينيين في سجون الاحتلال لهذا العام (2016م) بلغ (7)آلاف بينهم (70)
أسيرة وأكثر من (400) طفل، وبلغ عدد الأسرى الإداريين في سجون
الاحتلال ما يقارب 750 أسيراً
( نادي الأسير الفلسطيني، (2016).
وفي هذا السياق فقد تعرض الأسير الفلسطيني لكثير من
أساليب التعذيب والتنكيل في مراحل الاعتقال كافة، ما يُؤكد إصابته بأمراض مختلفة
منها الأمراض النفسية، والأمراض الاجتماعية والثقافية، والأمراض العضوية ومنها
الأمراض الدائمة ، والأمراض الخبيثة.
من
هنا يُمكن استعراض مفهوم الأسير لغوياً وفقاً لابن منظور، إذ يُقال:أَسَرْت الرجلَ
أَسْراً وإِساراً، فهو أَسير ومأْسور، والـجمع أَسرى وأُسارى، وتقول: اسْتَأْسِرْ
أَي كُنْ أَسيراً لـي، والأَسيرُ: الأَخِيذُ..وكلُّ مـحبوس فـي قِيدِّ أَو سِجْنٍ:
أَسير (ابن منظور، (ب.ت)). لقوله تعالـى {
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا
وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }(الآية8،
سورة الإنسان) .
ويأتي
مفهوم الأسير اصطلاحاً بأنه: " شخص يتم أسره أو يعتقل من قبل قوة محاربة
مناوئة خلال الحرب.. وفي المفهوم الضيق فإن الكلمة التي تستخدم لوصف الأسير تكون
لأفراد الجيوش النظامية، وأما في المفهوم الأشمل فإنها تعني أيضاً أفراد قوات حرب
العصابات المدنيين الذين يحملون السلاح بوجه العدو بصورة فعلية، وغير المقاتلين
المتواجدين أو المرافقين للقوات العسكرية" (حسن، 1993).
أما
مفهوم الأسير الفلسطيني فقد أشار ( أبو قاعود ، 2008: 8) إلى أنه" الشخص
الفلسطيني الذي تم اعتقاله من قبل السلطات الإسرائيلية، نتيجة مقاومته للاحتلال أو
الشروع أو التفكير في ذلك، على خلفية سياسية، أو تنظيمية أو أمنية أو عسكرية"
.
استناداً
إلى ما تقدم ، فقد ارتبطت ظاهرة الأسرى الفلسطينيين بالاستعمار والاحتلال، فحين تتواجد
المقاومة لهذا الاستعمار والاحتلال، فإن النتيجة الحتمية تُؤكد الأسر والاعتقال، إذ
يُعتبر الأسير من أهم النتائج المباشرة التي يخلفها الصراع ضد الاستعمار والاحتلال..ووفقا
لذلك فان ظاهرة الأسر في حياة الشعب الفلسطيني، هي ظاهرة دائمة متواصلة ومستمرة،
ولها ما يميزها من ملامح تُشير إلى أنها شملت
شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني ؛ الأمر الذي تشمل المجتمع الفلسطيني بكل
تكويناته، إذ لم يسلم بيت فلسطيني إلا وأُسر أحد
أبنائه، وبالتالي فان قضية الأسرى في فلسطين غدت قضية شاملة تستحق البحث
والتنظير .
إذ يُمارس
الاحتلال الإسرائيلي ألوان التعذيب النفسي والجسدي كافة، ضد الإنسان الفلسطيني
(الأسير) ، ويُشرّع التعذيب رسمياً، إذ يلجأ إليه لانتزاع الاعترافات من المعتقلين الفلسطينيين ، الأمر الذي يعني إضفاء الشرعية والطابع القانوني على التعذيب المحظور بموجب القانون الدولي الإنساني (رشيد، 2004( .
وعلى إثر ذلك فإن الأسير الفلسطيني يعاني في سجون الاحتلال صنوفًا من التعذيب وأشكالاً من التنكيل وقسوة المعاملة ، وبخاصة خلال فترة التحقيق معهم ، وحتى هذه اللحظة لم ينته ملف التعذيب بل إن الإحصائيات تشير لتزايده وتواصل استخدامه (المرجع السابق)
واستناداً على ذلك أورد ( المنطار، 2007) أبرز
أساليب تعذيب الأسرى الفلسطينيين المتبعة في السجون الإسرائيلية
هي: الحرمان من الطعام والشراب، الحرمان من النوم لساعات طويلة، الحرمان من قضاء الحاجة، الحرمان
الأسير من لقاء أهله أو محاميه، تسليط الإضاءة القوية على الأسير،
تغطية الرأس والوجه بغطاء أو اثنين ذو رائحة عفنة ، بحيث يؤدي إلى الشعور بالاختناق، تهديد الأسير والضغط عليه نفسيًا،سكب الماء البارد أو الساخن ،
وضع الأسير في ثلاجة، وما إلى ذلك.
ومن الآثار الناجمة عن تعذيب الأسير الفلسطيني، أكد كثير من
المهتمين أن الأسير الفلسطيني يُعاني من تكسر الأسنان، وحساسية في الصدر ناتجة عن الكيس القذر الذي يوضع في الرأس لفترات طويلة،
ويُعاني أيضاً من آلام في القناة الهضمية، وآلام قلبية ، وتضخم في الكبد، وآلام في
الرقبة والرأس والأذن ( أبو قاعود، مرجع سابق).
هذا وأشار آخرون إلى معاناة الأسير الفلسطيني نفسياً ، إذ
ينتابه شعور بالغربة وفقدان الاتصال بالواقع وفقدان الإدراك، وانخفاض تقدير الذات مع فقدان شعوره بالهوية والإنسانية، ويُعاني أيضاً من الاكتئاب ، وعدم الاتزان الذي يظهر
على شكل هدوء زائد في حياته اليومية، ويُعاني من ضعف الذاكرة وعدم القدرة على التركيز وقد يكون ذلك نتيجة تعرضه للإجهاد النفسي الشديد ،
فضلاً عن القلق والكوابيس وتذكر الحدث وقلة النوم،
الأمر الذي يُؤثر على مقدرة الأسير على التركيز (
المرجع السابق).
يُمكن القول من خلال استعراض أدبيات الأسير الفلسطيني، إن
ظاهرة الأسر في فلسطين لم تقتصر على فئة معينة كالفئة المقاومة مثلاً، بل طالت
شرائح المجتمع الفلسطيني كافة، وشملت الطفل وكبير السن والأنثى والمعاق والأكاديمي
والنائب والوزير والطالب والنقابي والأديب والصحفي ، وما شابه ذلك ؛الأمر الذي
يُؤكد مخالفة واضحة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وانتهاكات واضحة لقوانين
القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ لما يرافق ظاهرة الأسر من أنواعٍ وأشكالٍ للتعذيب
الجسدي والنفسي للأسير الفلسطيني .
إن ما يعانيه الأسير الفلسطيني جراء أسره في سجون الاحتلال
الإسرائيلي، ينعكس سالباً على وضعه الاجتماعي والثقافي والتعليمي والنفسي والصحي،
هذا وجاء تكريم الأسير الفلسطيني من قبل مجتمعه وشعبه في تحديد يوم السابع عشر من
نيسان في كل عام ليكون يوماً للأسير، يحمل في طياته رسالة تكريم للأسير، ورسالة مفتوحة لمنظمات حقوق الإنسان
تكشف معاناة الأسير الفلسطيني.
المراجـــــــــــــع
ابن منظور، جمال الدين
محمد بن مكرم أبو الفضل
، (ب، ت)، لسان العرب ،الجزء الأول، بيروت:دار صادر للنشر والتوزيع.
أبو
قاعود، عبد الناصر زكي (2008)، تجربة التعذيب لدى الأسرى الفلسطينيين وعلاقتها
بالتفكير الأخلاقي، رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الإسلامية: غزة ،
فلسطين.
أبو النجا، إبراهيم ( 2002 ) الحركة الفلسطينية الأسيرة، رام الله: مؤسسة صابرون للنشر.
حسن، حسين سرمك (1993) المشكلات
النفسية لأسرى الحرب وعائلاتهم ، القاهرة: مكتبة مدبولي للنشر والتوزيع.
رشيد، فايز (2004)، ثقافة المقاومة، غزة: مركز دراسات الوحدة العربية،الدائرة الثقافية
المركزية.
المنطار، (2007) النشرة الإعلامية للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان،
العدد 56 ، مايو،غزة:
مطبعة دار الأرقم للطباعة والنشر.
نادي الأسير الفلسطيني(2016)،
إحصائيات حول الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، تقرير الذكرى السنوية ليوم الأسير
الفلسطيني ، تم استرجاع المعلومات عن الموقع الإلكترونيhttp://www.aljazeera.net/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق