تفسير القرأن الكريم , دروس ومواعظ دينية قرآن فلاش المصاحف الشهيرة لتختار منها المصحف الذي اعتدت التلاوة منه تجول فى مدينة القدس الشريف دليل المواقع الاخبارية , العالمية والمحلية راديو و إذاعة الاصول

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

أثر الإيمان في سلوك الإنسان

" أثر الإيمان في سلوك الإنسان"
د. سُمية عيد

الإطار العام للبحث
مقدمة
يُعد سلوك الإنسان وأخلاقه وتصرفاتِه في الحياة مظهراً من مظاهر الإيمان عنده في حياته الواقعية وممارساته اليومية، فإن صلُح إيمانه استقام سلوكه، وإذا فسد إيمانه فسد سلوكه، من هنا فإن الإيمان ضرورة لا يستغني عنه الإنسان؛ ليستكمل شخصيته، ويحقق إنسانيته، ويستقيم سلوكه.
هذا وعند استقرار الإيمان في  النفس الإنسانية، لا بدّ من أن تُثمر الفضائل الإنسانية العليا، فتسمو النفس عن الماديات ، وتتَّجه دائمًا نحو الخير والنبل، والنزاهة والشرف، ويتخلق صاحبُها بالشجاعة والكرم، والسماحة والطمأنينة، والإيثار والتضحية .
بناءً على ذلك يظهر أثر الإيمان في قلب الإنسان على تصرفاته تجاه خالقه ونفسه ومجتمعه ؛ فيُمارس هذا الإنسان سلوكاً ينم عن طهارة القلب، وحسن الخلُق، حيث تُشير طهارة القلب إلى سلوك يتسم بالحياء والصدق والقناعة، ويُشير حسن الخلق إلى سلوك يتسم باحترام الناس والتواضع . 
من هنا يرتبط الإيمان بحسن الخلُق كما يرتبط بطهارة القلب، حيث أن له أثر في توجيه الأخلاق وتزكية النفوس وتهذيبها، وكلما كان الإنسان أكمل أخلاقاً كان أكثر إيماناً، وكلما استقرّ الإيمان في قلب الإنسان ، أثمر عن ذلك صفات تنم عن سلوك صالح، الأمر الذي يدفع الباحثة أن تبحث في موضوع الإيمان؛ لتقصي أثر الإيمان في سلوك الإنسان .  
مشكلة البحث
تكمن مشكلة البحث في الواقع الذي يتمخض عن علاقات اجتماعية يسودها الاضطراب في السلوك والابتعاد عن الاستقامة، الأمر الذي يُشير إلى أن إنسان اليوم يعيش في حيرة من نفسه ، وهو غير راضٍ عن نفسه حتى لو توفرت احتياجاته كافة، من هنا يُمكن صياغة مشكلة البحث في التساؤل الآتي : ما أثر الإيمان في سلوك الإنسان؟
أسئلة البحث:نظراً للشمولية التي اتسم بها عنوان البحث، فقد تم اتخاذ بعض الأخلاق لتمثل السلوك الإنساني ، ومن ثم استقصاء أثر الإيمان فيها، فكانت أسئلة البحث كما يلي: 
1.     ما مفهوم الإيمان؟
2.     ما أثر الإيمان في سلوك الإنسان؟
أهداف البحث: ركز البحث على تحقيق الهدفين الآتيين:
1.    تعرف مفهوم الإيمان.
2.    تقصي أثر الإيمان في سلوك الإنسان.
أهمية البحث
تنبع أهمية البحث من أهمية الإيمان في حياة الإنسان، فالإيمان أمر مهم يتعلق بوجود الإنسان ومصيره، والإيمان أيضاً هو الحياة إذ لا ينبغي أن يكون الإيمان أمراً هامشياً في حياة الإنسان بل هو قضية القضايا، لا يجوز إغفاله أو الاستخفاف به أو إيداعه في زوايا النسيان؛ من منطلق إن الإنسان بلا إيمان لا قيمة له ولا جذور، فهو إنسان قلق، متبرِّم، حائر، لا يعرف حقيقة نفسه ، حيث تتمثل أهمية البحث الحالي بالآتي:
1.     تناول البحث دراسة حقيقة مهمة من الحقائق المكملة للذات الإنسانية ألا وهو الإيمان .
2.  تميز البحث بخصوصية تندرج في اعتبار أخلاق الإنسان التي تعبر عن سلوكة كالصبر والصدق والأمانة وما إلى ذلك.
3.     قد يقدم هذا البحث من خلال نتائجه صورة توضح أثر الإيمان على سلوك الإنسان.
4.     يؤمل أن يُسهم هذا البحث في إفادة الطلبة والقائمين  بالعمليات التربوية والتعليمية.
منهج البحث:اعتمد البحث على المنهجين الآتييْن:
1.  المنهج الوصفي: حيث يعتمد المنهج الوصفي على تفسير الوضع القائم، وتحديد الظروف والعلاقات الموجودة بين المتغيرات، كما أنه يتعدى مجرد جمع بيانات وصفية حول الظاهرة إلى الربط والتفسير واستخلاص النتائج.
2.  منهج تحليل المضمون: يعتمد منهج تحليل المضمون على تحليل أدبيات الواقع من جوانبها كافة وتفسيرها، ومن ثم ربط التحليل بالواقع للوصول إلى الوضع الأمثل.
التعريف بمصطلحات البحث
ـ الإيمان: يُعرف الإيمان لغة : بأنه التصديق والاطمئنان .
أما في الاصطلاح الشرعي : "فهو الإيمان بالله ، والإيمان بملائكته ، والإيمان بكتبه . والإيمان برسله ، والإيمان باليوم الآخر ، والإيمان بالقدر خيره وشره " (الغفيلي، 2009).
ـ سلوك الإنسان: " هو حالة من التفاعل بين الكائن الحي ومحيطه (بيئته)، وهو في غالبيته سلوك مُتعلَم (مكتسب)، يتم من خلال الملاحظة والتعليم والتدريب، ويتعلم الإنسان السلوكات البسيطة منها والمعقدة، وكلما أتيح لهذا السلوك أن يكون منضبطاً وظيفياً ومقبولاً، كلما كان هذا التعلُم إيجابياً، ويُنظر إلى السلوك أيضاً على أنه كل ما يفعله الإنسان ظاهراً كان أم غير ظاهر" (عربيات، 2007).
الإطار النظري للبحث

تناول الإطار النظري للبحث موضوع أثر الإيمان في سلوك الإنسان من خلال استعراض مفهوم الإيمان، واستعراض أثر الإيمان في سلوك الإنسان وفقاً لخلُق الصدق، الصبر، الحلم والأناة، الرفق والرحمة، والتواضع، كما تم تحليل أدبيات الإطار النظري للبحث، حيث جاء الإطار النظري للبحث على النحو الآتي:
مفهوم الإيمان
تم تعريف الإيمان لغةً على أنه " مصدر آمن، يُؤمنُ إيماناً فهو مؤمن، واتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه التصديق" (ابن تيمية، 1993: 19).
أما اصطلاحاً:  فهو يُشير إلى قول وعمل:  قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية (ابن تيمية، 1993: 19).
من هنا فإن حقيقة الإيمان المطلق أنه حقيقة مركبة من ركنين: القول والعمل، فهو قول وعمل، لا يصح القول إلا بالعمل ولا العمل إلا بالقول، وإذا ذهب القول كله انتفت الحقيقة أي انتفى الإيمان، وكذلك إذا ذهب العمل كله انتفى الإيمان كذلك، ومن العلماء من أشار إلى إن حقيقة الإيمان تتضمن القول والعمل والقلب والجوارح (الجربوع، 2003: 87).
استناداً على ما تقدم فقد عرّف رسول الله صلى الله عليه وسلم  الإيمان  فـي إجابته على سؤال جبريل عليه السلام عندما قال له: ما الإيمان ؟ فقال: «الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» (البخاري،د.ت ).  
هذا ويتحقق الإيمان بالله بما يلي (القصير، 1997):
1.  الإيمان بأن الله تعالى متفرد بالخلق والملك والتدبير مطلقاً، فلا شريك له فـي ذلك، ولا مدبِّر معه، ولا معقِّب لحكمه، ولا رادَّ لقضائه.
2.  إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه فـي كتابه، وفيما صحَّ عن نبيه - صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العُلى، على الوجه اللائق بجلال الله تعالى وعظمته، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فأثبت الله تعالى لنفسه الأسماء والصفات، ونزَّه نفسه عن مماثلة المخلوقات، فالواجب إفراد الرب تبارك وتعالى بالكمال المطلق من جميع الوجوه .
3.  الاعتقاد بأن الله تعالى هو الإله الحق المستحق للعبادة، وحده لا شريك له، فلا تنبغي العبادة إلا له، ولا يستحقها أحدٌ سواه، وإفراده تعالى بجميع الطاعات .
أما الإيمان بالملائكة فهو يعني : " الاعتقاد الجازم بوجودهم، والتصديق التام بما جاءت به الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة بشأنهم ووظائفهم وأعمالهم التي يقومون بها طاعةً لله تعالى وعبوديةً له سبحانه" ، ويتحقق الإيمان بهم كالآتي(القصير، 1997):
1.    التصديق بوجودهم ومادة خلقهم، وما جاءت به النصوص من صفتهم والحكمة من خلقهم وشأنهم.
2.  الإيمان تفصيلاً بمن علمنا اسمه من طريق الوحي على وجه الخصوص مثل: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ورضوان، ومالك، ونؤمن إجمالاً بما لم نعلم اسمه منهم.
3.  الإيمان بما علمنا من وظائفهم وأعمالهم وما دلت عليه النصوص من اختصاصهم واعتقاد أنهم يقومون بما كُلفوا بيه خير قيام.
4.    الاعتقاد بأنهم عباد مخلوقون ليس لهم من خصائص الإلهية والعبادة شيء، والكفر بعبادة من عبدهم والبراءة منه.
5.  التصديق بمقاماتهم العظيمة عند الله تعالى ،وما لهم عنده من الكرامة، واعتقاد وجوب موالاتهم ومحبتهم، واعتقاد تفاضلهم فـي المقامات والمهمات، والحذر من معاداتهم.
6.  تنزيههم وتبرئتهم مما زعمه المشركون فيهم من أنهم إناث أو بنات الله، أو أنهم يشفعون عند الله بغير إذنه، أو يشفعون لأحد من المشركين به.
هذا ويُشير تعريف الإيمان بالكتب إلى أنه : " اعتقاد أن لله تعالى كتباً أنزلها على رسله هدايةً لعباده، متضمنةً لأصول دينه وقواعد شريعته، وجميع الأخلاق التي يحبها الله سبحانه ويرضاها، ومهمات مما نهى عنه جل ذكره، حيث يتحقق الإيمان بالكتب بأمور كثيرة منها (القصير، 1997).
1.  الإيمان بما سمى الله منها تفصيلاً: كصحف إبراهيم وصحف موسى والزبور، والإنجيل والقرآن، وإجمالاً بما لم يسمه منها.
2.  الاعتقاد  بأنها كلام الله تعالى، تكلم بها حقيقة كما شاء بكيفية لا يعلمها إلا هو سبحانه، وأنها حق وصدق وهدى لمن خوطب بها من الأمم.
3.  الاعتقاد  بأنها دعوة إلى عبادة الله تعالى، وتفصيل لحقه على خلقه وحقوق عباده بعضهم على بعض، وفيها نهي لهم عن مخالفته، وذكر ثواب المطيعين وعقوبات العاصين.
4.  الاعتقاد بأنها يصدق بعضها بعض، فلا تناقض بينها ولا تعارض، فإن وجد فيها ما يوهم التعارض والتناقض فهذا جاء من أفهام بعض الناس وعقولهم، وليس من جهتها.
5.  الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى نسخ جميع الكتب السابقة بالقرآن العظيم المشتمل على أحسن ما فيها، وجعل الله فيه أحكاماً مناسبة للأمة إلى أن يأتي الله بأمره.
إن الإيمان بالأنبياء والمرسلين - عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم - هو الاعتقاد الجازم بنبوتهم ورسالتهم وما جاءت به النصوص بشأنهم،  ويتحقق الإيمان بهم بأمور، منها(القصير، 1997):
1.     الاعتقاد بأن الله تعالى اصطفاهم واجتباهم على علم ليكونوا سفراء بينه وبين عباده فـي تبليغ رسالاته.
2.     الإيمان بأنهم أشرف الأمم أنساباً، وأطيبهم أعراقاً، وأزكاهم نفوساً، وأكرمهم أخلاقاً، وأعظمهم شرفاً وسؤدداً.
3.  الاعتقاد بعصمتهم عن الخطأ فيما بلغوا عن ربهم من الدين، وكذلك ما أرشدوا به أممهم من أمر الدنيا جازمين، وكذلك اعتقاد عصمتهم من كبائر الذنوب، وأما الصغائر فقد تقع منهم لكنهم لا يقرون عليها ؛ بل ينبهون بشأنها ويوفقون للمبادرة إلى التوبة منها.
4.     الاعتقاد  بأنهم أكمل الخلق علماً وعملاً، وأبرّهم وأرحمهم، وأن الله برأهم من كل عيب خلْقيْ وكل خُلُق رذيل.
5.     وجوب الاهتداء بهديهم على أممهم، وكمال التأسّي بهم، وطاعتهم.
أما الإيمان باليوم الآخر فهو: "التصديق بمجيئه وما يكون فيه والحكمة منه على النحو الوارد فـي الكتاب والسنة"، ويتضمن الإيمان باليوم الآخر أموراً لا يتحقق الإيمان إلا بالتصديق بها واعتقادها والعمل بمقتضاها، وهي(القصير، 1997: 52):
1.    الإيمان بسؤال القبر أو فتنة القبر .
2.  الإيمان بحال الميت فـي القبر ومدة لبثه فيه، وعلاقة روحه بجسده، وما جاءت به النصوص من نعيم المثبَتين وعذاب المضلين.
3.    الإيمان بأشراط الساعة وعلاماتها الكبرى والصغرى.
4.  الإيمان بالبعث، وهو إحياء الموتى بالنفخ فـي الصور النفخة الثانية، فتعاد الأبدان، وتنفخ فيها أرواحها، وتنشق عنها القبور، ويقوم الناس لرب العالمين.
5.    الإيمان بالحشر، وهو جمع الناس فـي موقف واحد يوم القيامة.
6.    الإيمان بالحساب، وهو العرض على الله تعالى، وتقرير المؤمنين، ومناقشة الكافرين كل بعمله.
7.  الإيمان بالكتب وصحف الأعمال ، والموازين وصفتها ونتيجتها، و الحوض وصفته، والصراط وصفته وحال مرور الناس عليه، والشفاعة.
8.    الإيمان بالجنة والنار، وما جاء من صفتهما وحال أهلهما فيهما، وأنهما المآل الأبدي للجن والإنس.
هذا وأشار العلماء إلى القضاء والقدر إذا ذكرا جميعاً فسر القدر بسبق علم الله بالشيء وكتابته له، وفُسر القضاء بمشيئة الله تعالى للشيء وإيجاده فـي وقته على الكيفية التي أراد ووفق ما سبق به علمه وجرى به قلمه، فيكون القدر إحاطة علم الله بالشيء سابقاً، والقضاء تنفيذ الشيء والفراغ منه لاحقاً، حيث يتحقق الإيمان بالقضاء والقدر بما يلي (القصير، 1997):
1.  الإيمان بعلم الله القديم بالأشياء قبل كونها على ما هي عليه، وأنه تعالى علم ما كان وما يكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، فقد أحاط الله تعالى بكلِّ علماً، وعلمه غير مسبوق بجهل، ولا يعرض له نسيان.
2.  الإيمان بأن هذا العلم مكتوب فـي اللوح المحفوظ، فإن الله تبارك وتعالى خلق القلم فأمره بكتابة المقادير إلى يوم القيامة، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة وكان ذلك قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة.
3.  الاعتقاد الجازم بأنه لا يكون فـي ملكه تعالى شيء من إيجاد أو عدم أو حركة أو سكون، ولا فعل ولا ترك، ولا طاعة أو معصية إلا بمشيئته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، مالك الملك ومدبره بمشيئته وحكمته، لا مالك غيره، ولا ربَّ سواه.
4.   التصديق التام بأن الله تعالى خالق كل شيء لا خالق غيره، فهو خالق العباد وأعمالهم خيرها وشرها.
أثر الإيمان في سلوك الإنسان
تم اختيار أخلاق الإنسان والبحث في مدى تأثرها في الإيمان ؛ لأن الأخلاق تدخل في كل سلوك يصدر عن الإنسان ، فهي التي تُضفي على السلوك سمة الإيجابية أو السلبية ، فمن خلال أخلاق الإنسان يُمكن التعرف على صدق الإنسان ، والتعرف على مدى أمانته، كذلك التعرف على مدى حلمه وصبره بالإضافة إلى التعرف على مدى تواضعه في التعامل مع الآخرين، فسلوك الإنسان وتصرفاته هي كالخيوط التي تحاك مع بعضها البعض لتشكل في النهاية ثوباً يُمثل الخلُق ومنبعه الإيمان (ابن القيم الجوزية، 2004: 112).
 حيث تم استعراض أثر الإيمان على أخلاق الإنسان على النحو الآتي:
تم تعريف الأخلاق لغةً على أنها :" جمع خلق بضم الخاء المعجمة، وبضم اللام ، والخلق يطلق في اللغة على معانٍ هي : الدين والطبع  والسجية والمروءة مأخوذة من الخلق، وهو التقدير" (بن علي، 1996: 34).
أما الأخلاق اصطلاحاً، فقد تم تعريفها على أنها: " حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة إلى فكر وروية"  (بن علي، 1996: 35).
كما عُرفت أيضاً على أنها : "  بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى" (الغفيلي، 2009: 20).
كذلك عُرّفت على أنها: " هيئة في النفس راسخة، تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلـة المحمودة عقلاً وشرعاً ، سميت تلك الهيئة خلُقاً حسناً، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلُقاً سيئاً" (الغفيلي، 2009: 21).
هذا وتم تعريفها على أنها: " أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره، وهي محمودة ومذمومة، فالمحمود على الإجمال أن تكون مع غيرك على نفسك فتنصف منها، ولا تنصف لها، وعلى التفصيل: العفو والحلم والجود والصبر وتحمل الأذى والرحمة وقضاء الحوائج والتوادد ولين الجانب، ونحو ذلك " (الجربوع،    2003 : 55).
بناءً على ما تقدم فإن الأخلاق تُعبر عن:  " هيئة مركبة من علوم صادقة وإرادات زاكية  وأعمال ظاهرة وباطنة موافقة للعدل والحكمة والمصلحة، وأقوال مطابقة للحق، تصدر تلك الأقوال والأعمال عن تلك العلوم والإرادات فتكتسب النفس بها أخلاقاً هي أزكى الأخلاق وأشرفها وأفضلها" (الغفيلي، 2009: 23).
أثر الإيمان في سلوك الإنسان وفقاً لخلق الصدق
إن الصدق خلق عظيم ، حيث نال أهمية بالغة كسلوكٍ إنساني ، ومن ذلك أن الله مدح الصادقين وأمرنا بالصدق فقال عز وجل : } يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين{  ] التوبة 119 [ .
يُعرف الصدق بأنه: " نقيض الكذب، وهو من صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقاً ، وصِدْقاً يقال: صَدَقْتُ القومَ ، أي : قلت لهم صدقاً ، ومن أمثالهم : رجل صَدُوقٌ : أي : أبلغ من الصادق ، والصدّيق المبالغ في الصدق" (الغفيلي، 2003: 27)
كذلك يُعرف الصدق على إنه: "  الإخبار عن الشيء على ما هو عليه، والكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه" (الغفيلي، 2003: 28)
كما أشار إليه بعض العلماء إلى  إن : أقل الصدق استواء السر والعلانية، والصادق من صدق في أقواله، والصديق: من صدق في جميع أقواله وأفعاله وأحواله" (البخاري، د.ت : 167).
بناءً على ذلك فإن النصوص الواردة في خلُق الصدق، تجعل الإنسان يدرك أن الصدق من دلائل الإيمان وآثاره، حيث حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدق وأخبر أنه يهدي إلى البر وأن البر يهدي إلى الجنة بقوله: (( عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً  )) (البخاري، د.ت : 168).
هذا ويُشير الحديث على تحري الصدق، وهو قصده الاعتناء به، وعلى التحذير من الكذب، والتساهل فيه، فإنه إذا تساهل فيه كثر منه، فيعرف به، فالصدق في الأقوال يجعل أصحابها يصدقون في سلوكهم وأعمالهم ، فالإنسان حين يعامل إخوانه لابد أن يكون صادقاً في معاملاته معهم، فلا يغش ولا يخدع(البخاري، د.ت : 169).
من هنا فإن سلوك الإنسان المتمثل بالصدق يُعد من الصفات الحميدة التي ينبغي أن يتمسك بها الإنسان؛ لأنها سبب من أسباب النجاح في هذه الحياة؛ إذ يُعد الصدق طريقاً للفلاح والنجاح وفيه راحة الضمير وطمأنينة النفس، والبركة في الكسب وزيادة الخير، والنجاة من المكروه(الغفيلي، 2003).
أثر الإيمان في سلوك الإنسان وفقاً لخلق الصبر
لقد أُشير إلى الصبر لغةً بأنه : " المنع والحبس، وهو نقيض الجزع، يقال : صبر صبراً فهو صابر وصبَّار وصبِّير وصبور، وسمي الصوم صبراً ، لما فيه من حبس النفس عن الطعام والشراب والنكاح (ابن القيم الجوزية، 1984: 28).
أما تعريف الصبر في الاصطلاح : هو "خلق فاضل من أخلاق النفس، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها، وقوام أمرها" (ابن القيم الجوزية، 1984: 29).
حيث قيل : هو ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله ، لأن الله تعالى أثنى على أيوب عليه السلام بالصبر بقوله : } إنا وجدناه صابراً {  (ص 44 ) ، مع دعائه في دفع الضر عنه بقوله :  }وأيوب إذ نادى ربه أني مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين { ]الأنبياء 83 [ (ابن القيم الجوزية، 1984: 29).
من هنا رفعت منزلة الصبر ، وأثني على المتحلين به، وهذا يدل على عظم أمره، لأنه أصل سلوك الإنسان ،فما من فضيلة إلا وهي محتاجة إليه، فالشجاعة هي الصبر على مكاره الجهاد، والعفاف هو الصبر عن الشهوات، والحلم هو الصبر على المثيرات(بن علي، 1996).
إن الصبر وحده هو الذي يعصم من التخبط، ويجعل الإنسان يسير متزناً في كل شؤون الحياة، فلابد أن يوطن الإنسان نفسه على احتمال المكاره دون ضجر، ومواجهة الأعباء مهما ثقلت (الغفيلي، 2009).
حيث أورد كثير من العلماء ثلاثة أنواع للصبر هي كالآتي (ابن القيم الجوزية، 1984: 32):
1.     صبر على الطاعة : فالإنسان حين يتقي ويصبر ويغفر ويشكر ، يكتب له النجاح والفلاح والظفر، في شؤون حياته كلها، وذلك هو  الخير كله.
2.     صبر عن المعصية : وهو أشد أنواع الصبر ، كون المعاصي أصبحت مألوفة بالعادة.
3.     صبر على البلاء : ويُشير مفهوم البلاء إلى موت الأعزاء وهلاك الأموال ، وزوال الصحة بالمرض ، فالصبر على ذلك من أعلى مقامات الصبر.
بناءً على ما تقدم فإن الإنسان  بحاجة إلى الصبر أمام مواجهة المصائب التي تجري عليه؛ لأن الصبر على المصائب ثمرة من ثمار الإيمان ، وهو من الأمور المشكورة، والأفعال الحميدة؛ لذلك كان الصبر نصف الإيمان؛ لأنه ما من مقام من مقامات الإيمان إلا ويلازمه الصبر.
أثر الإيمان في سلوك الإنسان وفقاً لخلق الحِلم والأناة
يُعرف الحِلم لغة على إنه: ": الأناة والعقل، وجمعه : أحلام، وحلوم، والحلم : ترك العجلة " (حسان، 2010: 268 ).
كما يٌعرف اصطلاحاً على إنه : " إمساك النفس عن هيجان الغضب" ، والحِلـم : هو ضـبط النفس والطبع عند هيجان الغضب(حسان، 2010: 269)  .
حيث يُعد الحِلم من الأخلاق الحميدة التي يحبها الله تعالى ، ويدل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد قيس: إن فيك لخصلتان يحبهما الله ، الحلم والأناة  ( حسان، 2010: 264) .
بناءً على ذلك فالإيمان يقود الإنسان ويؤثر في جميع تصرفاته فيغضب في مقام الغضب، ولا يتسرع إلى الانتقام ، لذا كان الحلم من أبرز صفات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فلا ينتقمون من الكفار بأفعالهم السيئة تجاههم، حيث إن قوة الإيمان لها تأثير كبير على اكتساب الفضائل الخلقية والسلوكية ومنها صفة الحلم ، فالإنسان الذي يعلم فضل الحلم يجد في نفسه اندفاعاً قوياً لاكتساب فضيلة الحلم (بن علي، 1996: 219).
من هنا يُعد الارتباط وثيقاً بين الحلم والعقل، وقد سبق تفسير الحلم بالعقل؛ لأن العقل السوي هو الذي يعقل صاحبه عن الاندفاع وراء عواطفه وغرائزه، أو وراء انفعاله وشهواته، أو وراء طبائعه النارية ، أو وراء كل ما يميل به إلى الجنوح والانحراف، وإن الإنسان الذي يتحكم في انفعالاته يعد إنساناً قوياً ( بن علي، 1996: 220) .
استناداً على ذلك يُعد الحِلم من أشرف الأخلاق وأحقها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد ، وهو تأني وسكون عند الغضب أو مكروه مع قدرة وقوة وصفح وعقل؛ فالحليم لا يستفزه الذين لا يعلمون ولا يستخفه الذين لا يعقلون، وإنما يضبط نفسه عند هيجان الغضب، حيث يبدأ بكظم الغيظ ثم النظر في عواقب الأمور وبوضع الشيء في موضعه؛ مما يدل على صحة العقل وكماله وعلم صاحبه وإرادته القوية التي تبصره في اتخاذ رد الفعل السليم باتباع أيسر الأمور وأرشدها، وقد ينتهى الأمر بالعفو والإحسان ( حسان، 2010).
هذا وأورد بعض العلماء الصفات التي تقود الإنسان إلى سلوك الحلم كالآتي:
1.    الرحمة و سعة الصدر وحسن الثقة.
2.    شرف النفس وعلو الهمة.
3.    الاستحياء من جزاء الجواب وهذا يكون من صيانة النفس وكمال المروءة.
4.    الكرم و الوفاء وحسن العهد.
أثر الإيمان في سلوك الإنسان وفقاً لخلق الأمانة
تُعرف الأمانة لغةً بأنها: ضد الخيانة ، وحقيقتها : أن يعف الإنسان عن أخذ ما ليس له بحق.
كما عُرفت اصطلاحاً على أنها: " كل ما يؤتمن عليه المرء من أمر ونهي وشأن دين ودنيا، والشرع كله أمانة" (الجربوع ، 2003: 128) .
إن الأمانة فضيلة من الفضائل وخلُق اجتماعي لا يستطيع أي إنسان  في قلبه ذرة إيمان أن يستغني عنها، وبهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها ، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته) (البخاري، د.ت).
من هنا فالأمانة تنظم سلوك الإنسان في الاستقامة في شؤون الحياة كلها ، من عقيدة وأدب ومعاملة وتكافل اجتماعي ، وخلق حسن كريم، حيث تُعد الأمانة بهذا المعنى  سر سعادة الأمم ، أو شقائها ، ويوم كانت أمة الإسلام صادقة في حمل هذه الأمانة والوفاء بها كانت خير أمة أخرجت للناس (الغفيلي، 2009).
كما تُشير الأمانة إلى وضع كل شيء في مكانه اللائق به، فلا يسند منصب إلا لصاحبه الحقيق به، فالولايات والأعمال العامة أمانة لدى الولاة، وتُشير الأمانة أيضاً إلى حفظ الحواس والمواهب التي أنعم الله بها على الإنسان وخصه بها، وكذلك رعاية الأهل والذرية والمال، إذ هي بمثابة ودائع الله الغالية عند الإنسان (بن علي، 1996).
كذلك تُشير الأمانة إلى حفظ أسرار العلاقات الزوجية ، فما يضمه البيت من شؤون العشرة بين الرجل وامرأته  يجب أن يطوى، ولا يطالع عليه أحد مهما كان قريباً إلى أحد الزوجين، فالأمانة من مكارم الأخلاق التي تتأثر بإيمان الإنسان (بن علي، 1996).
بناءً على ما تقدم فإن الأمانة  تنقسم إلى عدة حقوق واجبة على الإنسان منها:
1.    حقوق الله تعالى : التي تتمثل في أداء كل ما كلف به العباد من تكاليف وهي العبادات بمعناها الشامل والتي خلق الله الإنسان من أجلها .
2.    حقوق العباد: التي تتمثل في حسن معاملة الناس وعدم فعل ما يضرهم وينطبق ذلك على أقرباء الفرد بحسب قربهم، وعلى الجيران، وعلى الناس والمجتمع كله، فيؤدي الفرد ما عليه نحو المجتمع من عطاء ووفاء بحيث يرقى بمجتمعه ويحفظ كيانه ومرافقه، ويخلص في عمله ، ويكون أميناً في معاملة الناس في أية مهنةٍ يمتهنها أو عمل يقوم به.
إن الرحمة : هي الرفق والمغفرة والتعطف، وهي كمال في الطبيعة تجعل المرء المؤمن بالله تعالى يشعر بآلام الآخرين، ويسعى لعلاجها فيعرف أخطاءهم ويدعو لهم بالهدى والصلاح؛ لأن الرحمة خلق من أخلاقه، قال تعالى :  }الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفــر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم { ] غافر 7 [ (البخاري، د.ت) .
حيث تشير الرحمة إلى الصفة الكريمة والعاطفة الإنسانية النبيلة التي تبعث الإنسان  على بذل المعروف وإغاثة الملهوف وإعانة المحروم وكف الظلم ومنع التعدي على الضعفاء والمساكين والبغي عليهم (البخاري، د.ت).
أثر الإيمان على سلوك الإنسان وفقاً لخلق التواضع
إن التواضع لغةً هو  : التذلل، ويقال : تواضع الرجل : إذا تذلل(الغفيلي، 2009).
وحين سُئل أحد العلماء عن التواضع فقال : أن تخضع للحق وتنقاد له ولو سمعته من صبي قبلته، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته، وقيل : رأس التواضع  أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدنيا، حتى تعلمه أنه ليس لك بدنياك عليه فضل (الغفيلي، 2009).
حيث تم تعريف التواضع بأنه : " تجمل النفس بالخضوع لله تعالى ومنع النفس من الترفع على الناس والاستخفاف بهم وحملها على احترامهم وهو لين الجانب للناس والخشوع وخفض الجناح" (الغفيلي، 2009) .
هذا ويُعد التواضع من الأخلاق الحميدة التي يكتسبها الإنسان من إيمانه ، ولذا وصف الله تعالى عباده الصالحين بالتواضع وخصهم بذلك دون غيرهم فتأثير الإيمـان في هؤلاء جعلهم يتميزون عن غيرهم ، إذ  تعالى : } وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً {  ]الفرقان 63 [  .
لذا ينبغي على المؤمن أن لا يفتخر على الآخرين ولا يتكبر عليهم؛ حيث إن المتكبر يرى نفسه في مكان لم يصل إليه غيره ويظن أنه أفضل وأحسن من الناس، قال تعالى :  }واخفض جناحك للمؤمنين {   ] الحجر 88 [  .
إذ يزيد التواضع الإنسان عزة وكرامة،  والكبر لا يأتي إلا من جهل الإنسان، وعاقبته الذل والهوان والخسران، فالواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر، فالمرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة (الغزالي، 1992).
 حيث بنقسم التواضع إلى نوعين أحدهما محمود، والآخر مذموم، والتواضع المحمود : ترك التطاول على عباد الله والإزراء بهــم، والتواضع المذموم : هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه ، فالإنسان العاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها، ولا يفارق التواضع المحمود على الأحوال  كلها (الجربوع، 2003).
3.2 التحليل
إن للإيمان أثر كبير في توجيه سلوك الإنسان ، وقد يظن بعض الناس أن حسن الخلق من الصفات التي لا مجال للتغيير فيها، ولا يمكن اكتسابها، فإن كان الإنسان مجبولاً على سوئها أو فقدها فإنه يبقى سيئ الخلق، وهذا مفهوم خاطئ يحتاج إلى تصحيح ، لأنه لو كانت الأخلاق لا تكتسب ولا تقبل التغيير لم يكن للخطب والمواعظ والإرشاد قيمة، ولم يكن للتربية والتهذيب معنىً ، والحق أن لذلك أثراً في تهذيب الطباع والتربية على الأخلاق.
من هنا يُمكن القول بأن الإنسان إذا كان مجبولاً على حسن الخلق فإنه يبقى حَسَن الخلق، وخاصة إذا سعى إلى تحقيق ما جُبِل عليه في واقع حياته، وإذا لم يجبل على حسن الخلق فإنه يمكن أن يكتسب شيئاً بل أشياء من الأخلاق الحسنة، وإن لم يكن مجبولاً عليها، وهذا هو أثر الإيمان على سلوك الإنسان ، ومن الأدلة على ذلك :إن عملية الوعظ والإرشاد  إلى الأخلاق الحسنة لها تأثير كبير في سلوك الإنسان ، ولو لم يمكن ذلك، لما كان هناك  فائدة للوعظ في الحث على الأخلاق .
إذ إن  بعض الحيوانات تعلم وتدرب على بعض الأمور فتتعلمها ومن ذلك أن الفرس حين يتم تعليمها حسن المشي وجودة الانقياد فتتعلم وهي من قبل على خلاف ذلك، وكذلك الحال بالنسبة للكلب حين يتم تعليمه أن يترك الأكل فيتعلم وهو على خلاف ذلك من قبلُ ، والحمار الوحشي يستأنس بعد توحشه، فهذا دليل على أنه يمكن تغيير بعض الصفات ، وإذا كان الحيوان يستطيع أن يتعلم فابن آدم أولى بذلك وأقدر، وهذا لا يحصل إلا بعد كثرة التدريب والتعلم.
بناءً على ذلك يُمكن القول : إذا كان الإنسان المؤمن مجبولاً على حسن الخلق فذاك فضل من الله تعالى، فما عليه إلا أن يستغل ما وهبه الله تعالى من حسن الخلق من خلال سلوكه بإصلاح الناس والنهي عن الفساد، وإن لم يكن كذلك فعليه أن يكتسب حسن الخلق بالإيمان، فإن حسن الخلق من الأمور التي تتأثر بالإيمان .
كما يُمكن القول إن الأخلاق التي تتأثر بالإيمان تشمل أنواعاً كثيرة من السلوك الحسن كالصدق مثلاً ، إذ يُعد من أعظم مقامات الإيمان وشعبه، فالإخلاص والمحبة والرجاء والاستقامة كلها تفتقر إلى الصدق ولا تصح إلا به ، لذا فإن أثر الإيمان واضحاً في التحلي بهذه الصفة العظيمة.
كذلك إن الصبر يحتل مكانة رفيعة في الإيمان؛ لأن أكثر أخلاق الإيمان لا تتم إلا بالصبر، بالإضافة إلى الأمانة التي تتضمن حقوقاً عديدة منها حقوق الله تعالى وحقوق العباد.
كذلك الرحمة والرفق من الصفات العظيمة التي تتأثر بالإيمان، ويُمكن القول أيضاً بأن  التواضع يتأثر بالإيمان ، ويظهر من خلال الكلمة التي ينطق بها الإنسان ، ومن خلال سلوكه وحركته فوق ظهر الأرض.


الدراسات السابقة: تم توظيف ما جاء في الدراسات السابقة قدر الإمكان؛ لتحقيق أهداف البحث، وتم ترتيب الدراسات السابقة ذات الصلة بموضوع البحث الحالي وفقاً للتسلسل التاريخي لها من الأقدم إلى الأحدث كالآتي:
ـ دراسة شديفات (2009). "أثر الإيمان  بالقدر على حياة الفرد والجماعة" .
هدفت الدراسة إلى استقصاء أثر الإيمان بالقدر على حياة الفرد والجماعة، ولتحقيق أهداف الدراسة تم تقسيمها إلى فصليْن ، حيث تكون الفصل الأول من المبحث الأول الذي تضمن بيان الآثار التي تظهر على الراحة النفسية لذلك الفرد، وذلك ضمن ضرورة حفظ الكليات الخمس: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، لأن في حفظ هذه الكليات راحة لنفسية هذا الفرد، وتكون من المبحث الثاني الذي تضمن أثر الإيمان بالقدر على الإنتاج وإتقان العمل، كما تكون من المبحث الثالث الذي تضمن  أثر الإيمان بالقدر على التحصيل العلمي، وتناول  الفصل الثاني أثر الإيمان بالقدر على حياة الجماعة، وذلك من خلال بيان تلك الآثار التي تظهر على بناء العائلة وعلى صلة الأرحام وعلى انتشار الأمن والاستقرار، حيث أظهرت نتائج الدراسة أن آثار الإيمان بالقدر كلها ترجع إلى أداء الواجبات واجتناب المحرمات والتخلق بالخلُق الحسن.
ـ دراسة الغفيلي (2009). بعنوان: "أثر الإيمان في توجيه الأخلاق".
هدفت الدراسة إلى تبيان الأثر العظيم للإيمان في توجيه الأخلاق وتطهير النفوس من قبيح الأفعال وسيئها ، ولتحقيق هدف الدراسة تم تقسيمها إلى المقدمة، وقد اشتملت على أهمية الموضوع وأسباب اختياره، ويليها المبحث الأول واشتمل على تعريف الإيمان لغة واصطلاحاً، والمبحث الثاني واشتمل على تعريف الأخلاق لغة واصطلاحاً، والمبحث الثالث واشتمل على منزلة الأخلاق ، والمبحث الرابع واشتمل على  الارتباط بين الأخلاق والإيمان، و المبحث الخامس واشتمل على  الغاية من الأخلاق ، أما المبحث السادس فقد اشتمل على أثر الإيمان في توجيه الأخلاق، حيث أظهرت أبرز النتائج وجود ارتباط وثيق بين الأخلاق والإيمان، حيث إن عمل يقوم به الإنسان يحتاج إلى الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة ولاشك أن من فقد الإيمان فقد تلك الأخلاق ، وكلما كان المؤمن أكمل أخلاقاً كان أكثر إيماناً .
ـ دراسة الشبل (2012). " الإيمان عند السلف ومخالفيهم"
هدفت هذه الدراسة البحث في واقع  الإيمان عند السلف ومخالفيهم، ولتحقيق أهداف الدراسة تم تقسيمها إلى فصول ، حيث تناول الباحث في الفصل الأول عنوان: الأقوال في الإيمان، أما الفصل الثاني فقد جاء بعنوان: دخول الأعمال في تعريف الإيمان، وجاء الفصل الثالث بعنوان: حكم مرتكب الكبيرة في الدنيا والآخرة، ويلي ذلك الفصل الرابع بعنوان: أهم المسائل المتعلقة بالإيمان، وجاء الفصل الخامس بعنوان: أثر الإيمان في حياة المسلمين، حيث أشارت أبرز النتائج إلى إن مسائل الإيمان من أهم مسائل الدين ، ومن أهم ما يترتب على الإنسان من سلوك حسن.
التعقيب على الدراسات السابقة
تناولت الدراسات السابقة موضوع الإيمان بطرقٍ متباينة، حيث هدفت إحدى الدراسات  إلى استقصاء أثر الإيمان بالقدر على حياة الفرد والجماعة ، وهدفت دراسة أخرى إلى تبيان الأثر العظيم للإيمان في توجيه الأخلاق وتطهير النفوس من قبيح الأفعال وسيئها، في حين هدفت دراسة أخرى إلى البحث في واقع  الإيمان عند السلف ومخالفيهم.
لتحقيق تلك الأهداف تشابهت الدراسات السابقة في تناولها للمنهج المتبع ، حيث اعتمدت على تقسيم الدراسات إلى فصول ومن ثم استعراض الأدبيات الخاصة بها وتحليلها، إلاّ إنها اختلفت في الحدود المكانية (الجغرافية) التي أُجريت بها تلك الدراسات ، حيث أُجريت إحدى الدراسات في الأردن، بينما أجريت دراستيْن في السعودية،
بناءً على ما تقدم أظهرت نتائج الدراسات السابقة مدى أهمية الإيمان بالنسبة للإنسان، بالإضافة إلى وجود ارتباط وثيق بين الأخلاق والإيمان.
رغم هذا التباين بين الدراسات السابقة والبحث الحالي، إلا أن هناك علاقة بين الدراسات السابقة والبحث الحالي تتمثل في تناولها لموضوع الإيمان.
من هنا جاءت فكرة البحث والحاجة إليه لاستكمال الجهود البحثية التي تمت على هذا الصعيد، والإفادة من الدراسات السابقة في إثراء الإطار النظري، حيث جاء مكملاً للدراسات السابقة في تناوله لموضوع أثر الإيمان على سلوك الإنسان.
الخاتمة:
تناول البحث موضوع أثر الإيمان في سلوك الإنسان؛ بهدف تقصي أثر الإيمان على سلوك الإنسان، ولتحقيق الهدف من البحث، تم تقسيم البحث إلى فصليْن هما: الإطار العام والإطار النظري للبحث، حيث تم استعراض مقدمة البحث ومشكلته وأسئلته وأهدافه وأهميته ومنهجه ، وبالتالي التعريف بمصطحات البحث وذلك من خلال الإطار العام.
كما تم استعراض الأدبيات الخاصة بمفهوم الإيمان، بالإضافة إلى استعراض أثر الإيمان على سلوك الإنسان وفقاً للسلوك الذي يُعبر عن الأخلاق الآتية: خلق الصدق، خلق الصبر، خلق الأمانة، خلق الحلم والأناة، خلق التواضع، وبالتالي تحليل أدبيات الإطار النطري تبعاً لما تراه الباحثة.
هذا وتم إضافة بعض الدراسات السابقة ذات الصلة بموضوع الدراسة ، ومن ثم الوصول لنتائج البحث وبعض التوصيات.
نتائج البحث
1.    أظهرت نتائج البحث أن الإيمان يُؤثر على سلوك الإنسان المتمثل بالأخلاق وفق طبيعة هذا البحث .
2.    أظهرت نتائج البحث إن الأخلاق التي تتأثر بالإيمان تتمثل بالصدق ، الصبر، الحلم والأناة، الأمانة، الرفق والرحمة، والتواضع.
3.    أظهرت النتائج إن التزام الإنسان بالسلوك الصحيح له أثر في تقارب الناس وصلاحهم وقربهم من الله ، فتسود المحبة والألفة بينهم، ويتعاملون بالمودة والتراحم والتعاون فيسود بينهم الرضى والأمن.
4.    كما أظهرت النتائج إن التحلي بالأخلاق الكريمة يعود نفعه على كلٍ من الفرد والمجتمع والأمة.
التوصيات: يُوصي البحث في ضوء النتائج التي توصل إليها بما يلي:
1.  ضرورة إيلاء مصطلح الإيمان اهتماماً كبيراً من قبل وسائل الإعلام ودور العبادة والمؤسسات التربوية ؛ لما له من أهمية قصوى في تدريب النفس البشرية على ممارسة السلوك الحسن.
2.  إجراء المزيد من الدراسات المستقبلية التي تبحث في أثر الإيمان على سلوك الإنسان، وذلك من خلال عدة جوانب كالآتي:
                                 ‌أ-         أثر الإيمان في سلوك الإنسان الاجتماعي.
                              ‌ب-      أثر الإيمان في سلوك الإنسان الاقتصادي.
3.     ينبغي ترسيخ الثقافة الإيمانية لدى الطلبة  كحافز معنوي للوصول لمستويات سلوكية مميزة.
قائمة المصادر والمراجع
ـ القرآن الكريم
ـ الأحاديث النبوية الشريفة
ـ ابن تيمية (1993). "الإيمان" ، أخرجه محمد ناصر الدين الألباني، ط4، بيروت: المكتب الإسلامي للنشر والتوزيع.
ـ ابن القيم الجوزية (1984). "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين  " ، دمشق: دار القرآن للنشر والتوزيع.
ـــــــــ (2004). " الفوائد  " ، تحقيق حامد أحمد الطاهر، ط5، القاهرة: دار الفجر للتراث.
ـ البخاري، أبو عبد الله محمد بن اسماعيل (د. ت)." متن البخاري مشكول بحاشية السندي"، بيروت: دار الفكر للنشر والتوزيع.
ـ بن علي، حمدان محمد (1996). "أثر الإيمان في إشاعة الاطمئنان " ، مجلة البحوث الإسلامية، 11(17).
ـ الجربوع، عبد الله بن عبد الرحمن (2003). "  أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة"، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية للنشر والتوزيع.
ـ حسان،محمد (2010). "الإحسان" ، المنصورة: مكتبة فياض للنشر والتوزيع.
ـ الشبل، علي بن عبد العزيز بن علي (2012). " الإيمان عند السلف ومخالفيهممجلة قطر الندى، مجلة علمية محكمة، مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، القاهرة، العدد 12 السنة الخامسة.
ـ شديفات رولا (2009). "أثر الإيمان  بالقدر على حياة الفرد والجماعة" رسالة ماجستير ، تم استرجاع المعلومات عن الشبكة الإلكترونية بتاريخ 29/12/2013م، متوفر: www.aabu.edu.jo/thesis/fiqh/thesis1.doc
ـ عربيات، بشير (2007)." إدارة الصفوف وتنظيم بيئة التعلم" عمان:دار الثقافة للنشر والتوزيع.
ـ الغزالي، محمد أبي حامد (1992). "إحياء علوم الدين " ، بيروت: دار الجيل للنشر والتوزيع
ـ الغفيلي، عبد الله (2009). " أثر الإيمان في توجيه الأخلاق " ، بحث مقدم إلى الجامعة الإسلامية: المدينة المنورة، السعودية

ـ القصيّر، عبد الله بن صالح (1997). "بيان أركـان الإيمان" ، الرياض: (د. ن).

هناك 11 تعليقًا:

  1. الردود
    1. ابحث عن اثر الوحي في سلوك المسلم،جزاكم الله خيرا

      حذف
    2. إن شاء الله ، ربنا يكرمك

      حذف
  2. اريد الاثار السلوكية للايمان بالله على شكل 6 مطات

    ردحذف
  3. جزاك الله خيراً

    ردحذف
  4. ششششكرا
    جزاك الله خيرا

    ردحذف