تفسير القرأن الكريم , دروس ومواعظ دينية قرآن فلاش المصاحف الشهيرة لتختار منها المصحف الذي اعتدت التلاوة منه تجول فى مدينة القدس الشريف دليل المواقع الاخبارية , العالمية والمحلية راديو و إذاعة الاصول

الجمعة، 2 سبتمبر 2016

الأخلاق في النظرية المعرفية


الأخلاق في النظرية المعرفية
د. سُمية عيد الزعبوط
اهتم كثيرون في تكوين الأخلاق من خلال النظريات المفسرة لها على النحو الآتي:
1) نظریة بیاجيه Piaget
لقد ركز بياجيه على الأخلاق من خلال إعطاء الأهمية على عملية إصدار الحكم الخلقي على سلوك الفرد وإعطاء الأسس العقلية والمنطقية والأخلاقية التي تبرر إصدار مثل هذا الحكم، بصرف النظر عن إمكانية تنفيذه في الواقع أي تحويله إلى سلوك خلقي، ويعتبر بياجيه أن التغيرات التي تحدث في تفكير الطفل عبر المراحل المختلفة ليست تغيرات كمية فحسب ، بل هي في الأساس تغيرات كيفية، معتمداً على أن الأبنية العقلية في مرحلة نمو معينة تختلف اختلافاً نوعياً عن المرحلة السابقة والمرحلة التي تليها  (العواملة، 2003).
ويدعم بياجيه مقولة عدم وجود حدود زمنية فاصلة بين كل مرحلة وأخرى، وأن الانتقال بينها يتم بصورة تدريجية يصعب معها تحديد وقت محدد للانتقال من مرحلة إلى أخرى، ويُؤكد على إن عملية فرض الأخلاق قد تحدث في البداية فقط، بحيث تتجه سمات النمو الأخلاقي من الأخلاقية خارجية المصدر إلى الأخلاقية داخلية المصدر، أي أنها تنتقل من الانصياع لقواعد من خارج الذات إلى الالتزام بقواعد ذاتية تقوم على الاقتناع ؛ الأمر الذي يُشير إلى نظرة بياجيه للأخلاق بأنها سمة في الفرد تنمو وتتطور عبر مراحل معينة. (قناوي، 2001).
ويعتبر بياجيه إن نمو الفرد أساس نمو أخلاقه وتطورها ، ويرى بذلك إن التفكير الأخلاقي يشبه في تدرجه ونموه النمو المعرفي، بإشارته إلى إن النمو الأخلاقي للفرد يمر بمرحلتين هما : الأخلاق خارجية المنشأ، والأخلاق داخلية المنشأ على النحو الآتي (عريفج، 2002):
الأخلاق خارجية المنشأ
تنشأ الأخلاق خارجية المنشأ في المراحل الأولى من العمر (مرحلة الطفولة) ، إذ ينبثق الخلق من خلال الحكم على وجهة نظر واحدة والمتمثلة بالحدس دون التفات إلى وجهات نظر الآخرين، وينبثق أيضاً من خلال الحكم على الأمور من بعد واحد وإهمال الأبعاد الأخرى ، بصرف النظر عن إيذاء الأخرين، فالتحدي الأكبر هو تحقيق السبق على الأقران، وتنبثق من خلال الاعتماد على الحرفية في فهم التعليمات.


 الأخلاق داخلية المنشأ
تنشأ في المراحل العمرية التي تلي مراحل الطفولة  الأولى، وتنبثق من خلال الحكم على وجهات نظر متعددة والأخذ بوجهات نظر الآخرين، ومن خلال احترام متبادل وتعاون بين الأفراد، الأمر الذي  يُؤكد أهمية التفاعل مع الأقران في تطوير النمو الأخلاقي، كذلك تنبثق من خلال التفكير المجرد لدى الأفراد، الأمر الذي يعكس علاقة منطقية عقلانية مبنية على أساس التفهم.
2) نظرية بك وهافجهرست Peck & Havighurst
تتضمن النظرية الاجتماعية لبك وهافجهرست خمسة أشكال لنمو الأخلاق ، والتي جاءت على النحو الآتي (قناوي، 2001):
الحياد الأخلاقي : ويختص هذا الشكل في النمو الأخلاقي خلال مرحلة الطفولة ، إذ لا يعرف الطفل المبادئ الأخلاقية ولا الضمير.
الميل الأخلاقي:  يميل الطفل في هذه المرحلة لأن يعمل وفقاً لتقاليد المجتمع؛ لكي يتجنب
العقاب ويحصل على الثواب فقط .
المسايرة الأخلاقية:  وتتمثل في مرحلة الطفولة المتأخرة، حيث يتبع الفرد بما هو سائد من أخلاق وعادات في المجتمع.
الضمير اللاعقلاني:  ويتمثل أيضاً في مرحلة الطفولة المتأخرة، حيث يحكم الفرد على المواقف وفقاً لمعاييره الداخلية أو الذاتية عن الصواب والخطأ مع اهتمامه القليل بموافقة أو عدم موافقة الناس من حوله على سلوكه الأخلاقي .
الغيرة الأخلاقية:  وتتمثل في مقدرة الفرد ووعيه بمعايير مجتمعه، وإيحاءات ضميره ذاته، ومقدرته على أن يراعي القواعد الأخلاقية، حيث اعتبر أصحاب النظرية إن الغيرة الأخلاقية هي أعلى مراحل النمو الأخلاقي، ولا يفترضان وصول هذه المرحلة بالضرورة لكل فرد.
3) نظرية لورنس كولبرج Kohlberg
تركز هذه النظرية على البناء المعرفي للفرد، وبذلك تتجاهل القيم الثقافية التي عادة ما تفضي إلى الأخلاق، إذ لا يُمثل النمو الأخلاقي عند كولبرج معرفة أو دراية متزايدة بالقيم الثقافية، ويرجع السبب في ذلك إلى تفاوت القيم ومضمونها من ثقافة إلى أخرى، ويدعم كولبرج توجهات بياجيه في التفكير الأخلاقي وفقاً للطريقة التي يفكر بها الأفراد في المشكلات الأخلاقية وليس وفق الاستجابة الأخلاقية ذاتها، لأنه يرى أن التركيز على الاستجابة يتجاهل مغزى السلوك، فقد يوجد مثلاً فردان يسلكان نفس السلوك ولكن لكل منهما هدفاً خاصاً به. (عبد الفتاح، 2001).
ويتفق كل من بياجيه وكولبرج على أن الاتجاه الأخلاقي ينبثق من التطور المعرفي، الذي هو نتاج تفاعل الإمكانيات البيولوجية والخبرات الاجتماعية، وبالتالي فهما يناديان بالمرحلية في نمو الحكم الأخلاقي، وتُفسر النظرية عملية تطور الأخلاق من مرحلة لأخرى، بأن ذلك يعود إلى إن النمو الأخلاقي يتأثر بعوامل انفعالية ووجدانية مثل القدرة على تفهم الآخر وتقمص الأدوار، كما يتأثر بالتفاعل الاجتماعي، ويُحدد التفاعل بين الفرد وبيئته مسار تطور التعليل الخلقي، وبالرغم من ضرورة التفاعل إلاّ إنه ليس كافياً للسلوك الأخلاقي، إذ هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في السلوك الخلقي كالعاطفة أو الناحية الانفعالية، والحس العام بالإرادة، وقوة الذات، من هنا يُعد الحكم الخلقي العامل المميز في السلوك الخلقي ولكنه ليس العامل الأوحد في هذا السلوك (الريماوي، 2003).
        من هنا يُمكن القول إن السلوك الأخلاقي يختلف عن التفكير الأخلاقي، إذ يُشير الأول إلى إنه سلوك معقد يتضمن بداخله عناصر متعددة، حيث تُسهم في حدوثه عوامل عديدة، ويُمثل التفكير الأخلاقي أحد عناصر السلوك الأخلاقي، ويختلف التفكير الأخلاقي عن القيم الأخلاقية، فالقيمة الأخلاقية تشير إلى ما يعتقد الفرد أنه صواب وما يعتقد أنه خطأ، ويتعلق التفكير الأخلاقي بالطريقة التي يصل بها الفرد إلى حكم معين يتعلق بالصواب والخطأ، فقد يعتقد كثير من الناس أن السرقة خطأ وهذه قيمة، ولكنهم قد يختلفون في طريقة الوصول إلى هذا الحكم، إذ يبني أحد الأفراد حكمه على أساس طاعة القانون ، ويبني آخر حكمه على أساس مراعاة ضميره، وقد يتبع آخرون بحكمهم إلى معايير المجتمع، ويتبع آخرون معايير تتعلق بتأثير السرقة على المجتمع، ومثل هذه الأسس المختلفة لإصدار الأحكام الأخلاقية تدل على أساليب مختلفة للتفكير الأخلاقي .
كذلك يُمكن القول بأن السلوك الأخلاقي للفرد لا يتفق مع مستوى تفكيره الأخلاقي، ويمكن الاستدلال على ذلك بأن الفرد قد يأتي أحياناً بأنماط من السلوك قد لا تتفق مع ما يعتنقه من المبادئ الأخلاقية، حيث وجد كولبرج وبياجيه علاقة ايجابية بين العمر الزمني والمرحلة الأخلاقية التي يكون عليها الطفل، وأن المراحل الأخلاقية مثل المراحل المعرفية فهي نتاج لتفاعل الفرد مع البيئة، وأن معظم الأفراد في المجتمع لا يصلوا للمرحلة العليا من النمو الأخلاقي، بالرغم من أنهم يبلغون المستوى الأعلى من التفكير الأخلاقي .
ويتمثل الهدف من التربية الأخلاقية عند بياجيه وكولبرج في إثارة النمو الطبيعي لطاقات
الحكم الأخلاقي لدى الفرد، وبالتالي مساعدته على استخدام حكمه الأخلاقي في ضبط سلوكه،
ويرى كولبرج أن الأطفال الذين لم تتح لهم الفرص للنمو الأخلاقي لعدد من السنين، يكونون أكثر احتمالاً لأن يتجمدوا في المستوى الذي توقفوا عنده .
وتتميز طريقة كولبرج عن بياجيه في أن تقسيمه للنمو يمتد إلى سن أكبر مما يتناوله بياجيه، كما أن مستويات التفكير الأخلاقي لديه يسهل معها مقارنة الحكم الخلقي بين الثقافات، حيث لم يحدد كولبرج سن معين لبداية أو نهاية مستويات التفكير الأخلاقي كما فعل بياجيه ، لأنه اعتقد أن أي من المستويات الستة يمكن أن توجد لدى الراشدين، وأن أياً من الأفراد قد يقف عند مستوى معين ولا يتعداه .
ويمكن تنشيط النمو الأخلاقي من خلال التفاعل الاجتماعي، الذي يسمح للطفل بلعب أدوار مختلفة، وأن يتعلم كيف يتخذ وجهة نظر غيره، إن مثل هذه الفرص تقلل من تمركز الطفل حول الذات مما يؤدي إلى تقدم التفكير الأخلاقي، كما أن هذه الفرص المتاحة للعب والمشاركة الاجتماعية قد تكون السبب في وجود الفروق الثقافية في معدل التقدم عبر المراحل، وفي المستوى المسيطر للحكم في ثقافة معينة، فالثقافات المعقدة قد تقدم فرصاً أكثر للطفل لاتخاذ
أدوار أخرى ، وقد تظهر المجتمعات البسيطة معدلات أقل بطئاً في النمو الأخلاقي .

قائمة المراجع
- الريماوي، محمد عودة ( 2003 )،علم نفس الطفل، عمّان:  دار الشروق للنشر والتوزيع.
- عبد الفتاح جادو الحسين عبد الفتاح ( 2001 )، الفكر الأخلاقي ، القاهرة : دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع.
- عريفح، سامي سلطي ( 2002 ) ، سيكولوجية النمو، ط 2 ، عمّان : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
- العواملة، حابس ومزاهرة، أيمن ( 2003 ) ، سيكولوجية الطفل، عمّان: المكتبة الأهلية للنشر والتوزيع.
- قناوي، هدى محمد وعبد المعطي، حسن مصطفى ( 2001 ) ، علم نفس النمو ، القاهرة : دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق