استشراف المستقبل في البحوث العربية
الدكتورة : سُمية عيد الزعبوط
ورقة
بحثية مقدمة لمؤسسة المعايير الدولية بالتعاون
مع
اتحاد الجامعات العربية لغاية المشاركة في المؤتمر العربي لتطوير البحث العلمي،
وعنوانه: "البحث العلمي بين الطموح والواقع"
عمّان/الأردن،
خلال
الفترة 25-27/10/2015 م
استشراف المستقبل في البحوث العربية
تمهيد
تتبلور قيمة المنهج العلمي المتبع في الدراسات
والبحوث العلمية، فيما يُقدمه من تيسير لعمليات استطلاع المستقبل، في عالم تزداد فيه أهمية الزمن كعامل من عوامل الاستقرار والأمن أو القلق واللا أمن
المجتمعي،
وكعنصرٍ من عناصر التقدير والتخطيط الآمن، فالدراسات الاستشسرافية (المستقبلية) بوصفها
منهاجاً ، وأساليب التخطيط الاستراتيجي وأدواته بوصفها منهجاً متبعاً ومعتمداً لدى
الاستشراف المستقبلي، يُعَد ذلك إضافة حقيقية وعلامة بارزة في عالم المعرفة والبحث
العلمي.
بناءً على ذلك ، اهتمت المنظمات الدولية بإقامة
المنتديات واللقاءات الفكرية؛ لبلورة رؤية واضحة للمستقبل وما ينبغي عمله من
إجراءات لمواجهته بكل تصوراته وتحدياته، إذ اهتمت منظمةُ الأممُ المتحدة للتربيةِ والعلمِ والثقافةِ (اليونسكو) بالدراسات
المستقبلية عبر تقريرِ كلٍّ من إدغار فور الموسوم بـ " تعلم لتكون" ،
وتقرير جاك ديلور وزملائه الموسوم بـ " التعلم : الكنز المكنون"(عبد الحي، 2007).
ومن
المؤشرات التي تُؤكد الاهتمام العالمي بالدراسات المستقبلية:
تنامي أعداد العلماء والباحثين بالدراسات المستقبلية في الجامعات ومراكز البحوث المختلفة، ظهور العديد من المراكز والهيئات العلمية والمعاهد المتخصّصة في ذلك، كذلك
انتشارُ الجمعيات والروابط والمنظّمات المعنية بالدراسات المستقبلية، مثل رابطة المستقبلات الدولية التي أسسها جوفنيل (Jouvenel)، وجمعية المستقبل العالمية
التي أسسها إدوارد كورنيش (World Future Society) في عام 1966 (العيسوي،
2000).
هذا
ورصدت بعض الدول العربية مستقبل التربية
والتعليم عبر منتدى الفكر العربي 1997، ومكتب التربية العربي لدول الخليج 1998،
والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 2000، إذ بُنيت تصوراتُهُم على دراسات
متعمقة وجادة قام بها خبراء وعلماء لهم مكانتهم العلمية في أوطانهم (زاهر، 2004 ).
ومع هذا
، يُمكن القول بأن المنهج الوصفي بجانبه التحليلي والإحصائي قد استحوذ على غالبية
البحوث والدراسات العربية بوصفهِ منهجاً علمياً متبعاً؛ إذ تكاد تخلو صفحاتُ
المجلات الجامعية العربية من بحوث ودراسات مستقبلية تستشرف المستقبل في كثير من
المعوقات سواء أكانت تربويةً أم تعليميةً أم بيئيةً ، مثلِ: استشرافِ مستقبلِ توظيفِ التقنيةِ في التعليم والتعلم واستخدامِ
بدائلَ جديدةٍ لذلك، واستشراف مستقبلِ التعليم عن بعد والتعلم الافتراضيِّ عبر طرح
سيناريوهاتٍ ورؤىً جديدةً تُسهم في تمكين الدولَ العربيةَ من توفير جامعاتٍ
افتراضية، واستشراف مستقبلِ التلوث البيئي عبر طرح سيناريوهاتٍ ورؤىً جديدةً حول
بيئة نظيفة ، وما شابه ذلك
في الوقت
الذي يجلس فيه البحث العلمي العربي في بيت مغلق الأبواب والنوافذ، يتناول وجباته
الوصفية وجبة تلو الأخرى ، غير آبهٍ بما يدور حوله من حركة واسعة استهدفت الاهتمام بالدراسات المستقبلية، وتعميق مفهومها، إلى
أن باتت دراسات المستقبل صناعة أكاديمية، ونشاطاً علمياً قائماً بذاته
، ومنهجاً عملياً للإدارة
والتخطيط في الدول المتقدمة علمياً وتكنولوجياً،
فضلاً عن وجود عددٍ من المحاولات الجادة لدى الشقيقة جمهورية مصر العربية.
ويُمكن
القولُ إن المشكلاتِ التي يُعاني منها
البحث العلمي في الوطن العربي ، هي في الأغلب نتيجةٌ لقصَر النظرة المستقبلية ، أو
لتجاهل الآثار السلبية الناجمة عن كثيرٍ من الظواهر المُعيقةِ لمسيرة التعليم
الجامعي ؛ فالوقتُ أو مجالُ الحركةِ في مجالاتٍ كثيرة، قد أصبح من القصر أو الضيق
مرحلةً تتعذدرُ عنها عملية الإصلاح ، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة أن يتوجهَ الفكرُ والعقلُ
البحثيُّ إلى ثقافةِ استشرافِ المستقبل.
من
هنا جاءت هذه الورقة لتحقق ثلاثةَ أهداف على النحو الآتي:
1. تعرفُ
ماهيةِ الدراسات الاستشرافية .
2. تعرفُ
ماهيةِ السيناريو بوصفه أحدَ الأساليب البحثية المتبعة في البحوث الاستشرافية.
3. رصدُ
ثقافة الاستشراف في البحوث العلمية العربية
مفهومُ
الدراسات والبحوث الاستشرافية (المستقبلية):
كي نصلَ إلى مفهوم الدراسات والبحوث
الاستشرافية المستقبلية ، لا بد من معرفة
الأبعاد التي تنطلق منها على النحو الآتي:
أولاً: من منطلق أنها رتبط بالزمن، استوقفني ما أورده الباحثون من نظرة فلسفية حول ذلك ، إذ يُمثل إدراكُ
البعد الفلسفي لمفهوم الزمن نقطةَ انطلاقٍ مهمة وضرورية لاستيعاب الدراسات
المستقبلية، فقد عَدَّ بعضُ العلماء من أمثال زينون وغيره وصولاً إلى كانت (Kant ) وأفلاطون
أن الزمن منفصلٌ عن غيره من حركات وظواهرَ ، بينما لا يراه آخرون منفصلاً عن
الحركة والظاهرة ، وعبر أرسطو عن ذلك بأنَّ الزمنَ يتحددُ بالحركةِ ، واستقر المفهوم المعاصرُ للزمن عند المعنى الثاني لدى أينشتين، والمتمثلِ بأنه إذا حركتَّ عقاربِ الساعةِ
للأمَامِ لا يعني ذلك أن عمرك
قد ازداد ، فلا بد من امتلاء وعاءِ الزمنِ بالحركة ( حاج أحمد،
2014).
وأضاف كثيرٌ من
العلماء بُعدَ الإحساس بالزمن وإيقاعه إلى بعدِ الحركة ، وهذا ما أكده فيشنر بأنَّ
الزمنَ ليس واحداً في كل مكان ، الأمرُ الذي يُشيرُ إلى إنَّ السنةَ في دولةٍ
متخلفةٍ ليست هي ذاتَ السنةِ في دولة متطورة، ففي حال اعتبارها واحدة ، فإن الزمن
يعد مفصولاً عن الحركة (الفيشاوي، 1997:
110).
بناءً على ذلك ،
يُقسم الزمن إلى ثلاثة مراحل هي(عبد الحي، 2012):
§
المرحلة
الأولى: تمثل الماضي وهو كلُّ ما سبق على الحال القائم.
§
المرحلة
الثانية: تُمثل الحاضرِ وهو كلُّ ما هو قائمٌ حالياً وفي حالة الحركة.
§
المرحلة
الثالثة: تمثل المستقبلِ وهو الآتي بعدَ الحاضر.
ويتمثل الفرقُ بين المراحل الثلاث بأنَّ الماضي قد أصبحَ حقيقةً غيرُ ممكنٍ تغييرُها، ولا جدوى من تدخل الإرادة الإنسانية لتغييره، أما الحاضرُ فهو عمليةٌ متحركةٌ لم تكتملْ بعدُ ولن يكونَ للتدخل في مساره إلا القدرُ النسبيُ من التأثير، بينما يُمّثل المستقبلُ المجالَ الوحيدَ المتاحَ أمامَ الإرادةِ الإنسانيةِ للتدخل فيه، غير أنّ عمليةَ التدخلِ تتطلّبُ الوعيَ في الاحتمالات التي قد تنطوي عليها الظاهرةُ موضوعَ الدراسة
أو البحث، من هنا لا بد من منهج علمي دقيق ومتطور، وهذا ما وفره الباحثونَ
الاستشرافيونَ بما يُسمى بالبحوث والدراسات الاستشرافية (المستقبلية) (عبد القادر،
1990).
ثانياً : يتمثل البعدُ الآخرُ في طرح البدائلِ المختلفة لمسارات الظاهرة في تطورها،
فموضوعُ التفكيرِ في المستقبل ومحاولةُ اكتشافه ليس وليدَ هذا العصر، بل له جذورُه التاريخيةُ إذ يرجع تاريخُ الاهتمامِ بالمستقبل إلى البدايات الأولى للتطلّع البشري إلى المعرفة الشاملة بالكون واستكشاف غوامضه وأسراره وفي مقدمتها الزمن، وذلك بهدف السيطرة على حركته والتحكم في مساره (النعيري، 2009: 11).
من هنا تحاول
الدراساتُ الاستشرافيةُ ( المستقبلية) وضعَ
احتمالاتٍ محتملةِ الحدوث، وتهتم بدراسة المتغيرات التى تؤدي إلى حدوث هذه
الاحتمالات وتحقيقها ، فهي بذلك تهدفُ إلى رسم صور تقريبية محتملة للمستقبل بقدر
المستطاع، وتتضمن
طبيعةُ الدراسات المستقبلية صناعةَ المستقبل، وتضع تحدياتُ المستقبل وأزماته، إذ
يتجلى على هذا النحو تماسكُ قوانين الزمان في أبعاده الثلاثة الماضي والحاضر
والمستقبل، وما يوجد في الحاضر لا يمنع وجودُه في المستقبل.
ويستند تصورُ
المستقبل في الأساس إلى قاعدة صلبة من البيانات العلمية الدقيقة والشاملة عن
الظواهر الحاضرة وجذورِها الماضيةِ باعتبارِها جزءً أساساً لا غنىً عنه في التنبؤ
بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل ، كما يتم تحديد قائمة بالأولويات
والأهداف الاجتماعية للمجتمع مستقبلاً والتي على ضوئِها يتمُّ استشرافُ أحداثِ
المستقبلِ بتحديدِ مدى احتمالِ وقوعِها، فهي بذلك تتناول الأدواتِ والوسائل
التي يمكنُ أن تؤثرَ في مجرى الأحداثِ المستقبلية بما يتفق ورغبات مجموع الأفراد
الذين يمسُّهُم هذا المستقبل ( إبراهيم ، 2013: 1).
وتُشير الدراساتُ
الاستشرافيةُ ( المستقبلية) إلى علم يختصَّ
بالمحتمل والممكن والمفضل من المستقبل، بجانب الأشياء ذات الاحتماليات القليلة
والتأثيرات الكبيرة التي يمكن أن تصاحبَ حدوثَها حتى مع الأحداث المتوقعة ذات
الاحتماليات العالية، مثلِ انخفاضِ تكاليفِ الاتصالات، أو تضخمِ الإنترنت، أو
زيادةِ نسبةِ شريحة المعمرين لدى بلدٍ معين، ويُعدُّ تقليصُ عنصرِ اللايقين
المفتاحَ الأساسيَّ لاستشراف المستقبل لأنه يمثل مخاطرةً علمية، وتطورت الدراساتُ
والبحوثُ الاستشرافيةُ لتشملَ مواضيعَ محددةِ المحتوى وجدولاً زمنياً للعملِ ومنهجاً
علمياً يتحدثُ مع عالم اليوم، الذي يتسمُ بتغييرٍ متسارع (الدجاني، 1993، 62).
ويرى عددٌ من
الباحثين والمختصين أنَّ الاستشراف هو: "عمليةُ فحصٍ منهجيٍّ منظمٍ للمستقبلِ طويلِ الأجل، وبناءُ
المسارات المتصورة للمستقبل في مجال ما" بشكلٍ
يُؤكدُ النظرَ إلى القادم بنظرة ثاقبة، بغيةَ تصورِ الواقعِ المقبلِ انطلاقاً من الواقع الحاضر واستيعاباً للماضي ، ويُقصد به أيضاً
: " اجتهادٌ إنسانيٌّ لاستطلاع أحداث الزمن الآتي في المستقبل مستهدفاً تحديد احتمال وقوعها، حيث يتناول أحداثاً لم تقعْ بعدُ ويشيرُ إلى فترات زمنية لم تأتِ بعد، واستشرافاً لمستقبلٍ يوجد في الذهن الواعي، والخيال الابتكاري وإبداعاته، والخططِ التي يرسمُها لاستباق الزمن القادم ومحاصرة
المشكلات المتوقعة قبل حدوثها
(المهدي، 2013: 34).
ورغمَ تعدد التعريفات المشار إليها،
تبين أن مجال موضوعِها، وبحثها حول المستقبل، سواءُ سميتْ الدراساتِ المستقبلية أم الاستشرافية، الذي في أوسعِ معانية يُعني بالاجتهاد العلمي المنظم، الذي يرمي الى صياغة مجموعةٍ من التنبؤاتِ
/التوقعاتِ التي تشملُ المعالمَ الرئيسةَ
لأوضاع مجتمع معين أو مجموعةٍ من اﻟﻤﺠتمعات خلال فترةٍ زمنيةٍ
مقبلة، وتنطلقُ من بعض الافتراضات الخاصةِ حول الماضي، والحاضرِ بغيةَ
استكشافِ أثرِ دخولِ عناصرَ مستقبليةٍ على اﻟﻤﺠتمع.
وتعتمد
الدراساتُ الاستشرافيةُ ( المستقبلية ) أربعةَ عناصرَ هي (الدوراري وآخرون، 2011):
أ- تركزُ على استخدام الطرق العلمية في دراسة
الظواهر.
ب- تتضمنُ الجهودَ الفلسفيةَ والفنيةَ مع الجهود العلمية.
ج- تتناولُ المستقبلَ في آماد زمنية تتراوح
بين 5 سنوات و 50 سنة.
د- تستند إلى عدة مبادىءَ، يمكن استخدامُها بالتركيز على المستقبل
الذي نريد، ومن أهمِّها الآتي (العيسوي، 2000):
§
مبدأُ
الاستمرارية (Continuity ) : يتمثل في توقعِ المستقبلِ بصورةٍ يكون فيها امتداداً للحاضر، خاصةً الحقائقَ العلمية، بمعنى استمراريةِ الحوادثِ والظواهرِ
من الماضي للحاضر للمستقبل.
§
مبدأُ التماثل (Analogy): يتمثلُ
في توقع أن تتكررَ بعضُ أنماطِ الحوادث كما هي من وقت لآخر.
§
مبدأُ
التراكم (Accumulation): يتمثلُ في تراكمِ ذاتِ الأحكام على الوقائع ذاتها.
من هنا
فإن الدراساتِ الاستشرافية (المستقبلية) تُسهم في مستقبل أفضل ؛ وذلك لما ينجم
عنها من فوائدَ على النحو الآتي(الساحلي، 2013):
1.
اكتشافُ المشكلات قبل وقوعها، ثم التهيؤُ لمواجهتها لتفادي وقوعها،
وبذلك فهي تُسهم في الاستعداد والإنذار المبكر للمستقبل ؛ من أجل المشاركة في صنعه
أو التحكم في مجرياته.
2.
إعادةُ اكتشاف الكامن من الطاقاتِ
الإنسانيةِ والمواردِ ، والتي يمكن أن تتحولَ بفضل العلم إلى مواردَ
وطاقاتٍ فعلية.
3.
بلورةُ الاختيارات الممكنةِ والمتاحةِ وترشيدُ عمليةِ المفاضلة بينَها ؛ وذلك بإخضاع كلِّ اختيارٍ منها للدراسة
والبحث، بقصد استطلاعِ
ما يمكن أن يؤديَ إليه من تداعياتٍ، وما يمكن أن يسفرَ عنه من نتائجَ،
إذ يترتبُ توفيرُ قاعدةِ معرفيةِ يمكن لأصحابِ القرار أن يحددوا من خلالها اختياراتِهم التربويةَ والتعليميةَ والاجتماعيةَ والاقتصاديةَ والإداريةَ وما شابه
ذلك.
ويمكن
تقسيمُ طرقِ البحث المستقبلي وفقَ معاييرَ متنوعةٍ ، إذ صُنّفتْ هذه الطرقُ على
النحو الآتي(عبد الحي، 2007):
§
طرقٌ كميةٌ (quantitative) وطرقٌ كيفيةٌ (qualitative)
: يستخدمُ معظمُ الاستشرافيينَ شيئاً من القياسات الكميةِ، ويندُرُ استخدامُهم
للقياسات الكمية فقط دون اللجوء إلى الطرق الكيفية خاصةً في مرحلة التحليل
والتفسير والتوصل إلى استنتاجات .
§
طرقٌ استطلاعيةٌ( exploratory) تقدمُ صوراً مستقبليةً احتماليةً ، وطرقٌ استهدافيةٌ normative) ) تقدمُ صوراً لمستقبلات مرغوبٍ فيها : قد تنتجُ الصورُ المستقبليةُ باستخدام وسائلَ كميةٍ أو
وسائلَ كيفيةٍ ، أو بمزيج من الاثنين ، وقد تتوصل الدراساتُ المستقبليةُ إلى عددٍ
من الصور المستقبليةِ الاحتمالية ، ثم يتمُّ اختيارُ صورةٍ أو أكثرَ من الصور
المرغوب فيها ، بمعنى أن الصفةَ الاستطلاعيةَ والصفةَ الاستهدافيةَ قد تجتمعان في
دراسةٍ مستقبليةٍ واحدة .
§
طرقٌ نظاميةٌ formal) ) أو
موضوعيةٌ( objective) من
جهة ، وطرقٌ غيرُ نظاميةٍ (informal) أو ذاتيةٍ ( subjective) من جهة أخرى : إذا كانتْ الطريقةُ المستخدمةُ فى البحث المستقبلى تعتمدُ أساليبَ مقننةٍ واضحةِ المعالم ، أو نماذجَ صريحةٍ للظاهرةِ محلِّ الدراسةِ ( فحينئذٍ تُعَدُّ من الطرق النظامية أو الموضوعية ) ، وإذا اعتمدتْ الحدسَ والخيالَ والخبرةَ والتقديرَ الذاتي ، دون تبنى نماذجَ صريحةٍ للظاهرة موضعِ البحث ( فحينئذٍ تُعَدُّ من الطرق غيرِ النظاميةِ أو الذاتية ) . ولكن هذا المعيار قد يصعبُ تطبيقُهُ على كثيرٍ من طرق البحث المستقبلي ، فما يبدو لأول وهلةٍ موضوعياً ( كالنماذج ) كثيراً ما يعتمدُ اختياراتٍ ذاتية ( للمتغيراتِ أو لتعريفها وغيرِ ذلك كثير ) ولا يُستغنى عن قدر من الحدس والخبرة، وما يبدو لأول وهلةٍ ذاتياً ، كثيراً ما يمكنُ استنتاجُ خطواتٍ أو إجراءاتٍ محددةٍ لتطبيقه ( مثل طريقة دلفي ) .
جهة ، وطرقٌ غيرُ نظاميةٍ (informal) أو ذاتيةٍ ( subjective) من جهة أخرى : إذا كانتْ الطريقةُ المستخدمةُ فى البحث المستقبلى تعتمدُ أساليبَ مقننةٍ واضحةِ المعالم ، أو نماذجَ صريحةٍ للظاهرةِ محلِّ الدراسةِ ( فحينئذٍ تُعَدُّ من الطرق النظامية أو الموضوعية ) ، وإذا اعتمدتْ الحدسَ والخيالَ والخبرةَ والتقديرَ الذاتي ، دون تبنى نماذجَ صريحةٍ للظاهرة موضعِ البحث ( فحينئذٍ تُعَدُّ من الطرق غيرِ النظاميةِ أو الذاتية ) . ولكن هذا المعيار قد يصعبُ تطبيقُهُ على كثيرٍ من طرق البحث المستقبلي ، فما يبدو لأول وهلةٍ موضوعياً ( كالنماذج ) كثيراً ما يعتمدُ اختياراتٍ ذاتية ( للمتغيراتِ أو لتعريفها وغيرِ ذلك كثير ) ولا يُستغنى عن قدر من الحدس والخبرة، وما يبدو لأول وهلةٍ ذاتياً ، كثيراً ما يمكنُ استنتاجُ خطواتٍ أو إجراءاتٍ محددةٍ لتطبيقه ( مثل طريقة دلفي ) .
وهناك
عدةُ أساليبَ يُمكنُ استخدامُها في الدراسات الاستشرافية (المستقبلية) منها
(العيسوي، 2000):
-
أسلوبُ السلاسل الزمنية الذي يعتمدُ نماذجَ معينة،
-
أسلوبُ الاسقاطاتِ السكانية: كأن يتمَّ حسابُ النموِّ فى عدد السكان
من مكونات محددة كالمواليد والوفيات والهجرة إلى الدولة والهجرة من الدولة .
- أسلوبُ النماذجِ السببية : إذ يتمُّ
التنبؤُ بقيم متغيرً ما، أو مجموعةِ متغيراتٍ باستعمال نموذجٍ يحددُ سلوكَ
المتغيراتِ المختلفةِ استناداً إلى نظرية ما .
-
الأسلوبُ التشاركي: ويقصدُ به طُرقُ البحثِ المستقبليِّ التي تتيحُ المجالَ
لمشاركة القوى الفاعلةِ أو الأطرافِ المتأثرةِ بحدثٍ ما في عملية تصميم البحث وجمع
المعلومات اللازمة له وتحليلِها واستخراجِ توصيات بفعلٍ اجتماعيٍّ معين.
- أسلوبُ تحليلِ المضمون : ويقصدُ به
استخدامُ طائفةٍ متنوعةٍ من مصادر المعلومات في التعرف على الاتجاهات العامةِ
لمتغيراتٍ معينة ، مع افتراض أنَّ الاتجاهاتِ العامةِ التى يتمَُ الكشفُ عنها هى
التي ستسودُ فى المستقبل .
- أسلوبُ تحليلِ آراءِ ذوي الشأنِ والخبرةِ
ومنها: طريقةُ المسوحِ التى يتمُّ فيها استطلاعُ رأيِ عينةٍ من الأفراد، أو
توقعاتهم، سواءٌ من خلال استبيانٍ يُرسلُ بالبريد أو يتمُّ تعبئتهُ عن طريق
المقابلة الشخصية أو الإتصالِ التليفوني.
-
أسلوبُ السيناريوهات: ويركزُ على وصف
المساراتِ التي تُفضي إلى مستقبل مستقبلي ممكن أو محتمل أو مرغوب فيه وتوضيحِها ،
ويُمكنُ أن تُبنى السيناريوهاتُ بأيٍ من الطرق سابقةِ الذكر أو بمجموعاتٍ معينة
منها ، كما أنها يمكن أن تُبنى بطرقٍ أخرى لم تتعرضْ لها كالسيناريوهات التى تعتمدُ
اعتماداً كلياً على الخيال العلمي أو الإبداع الأدبيِّ أو الحدسِ أو الاستبصارِ
وقد ينفردُ بكتابتها شخصٌ واحدٌ، وقد يقومُ
بها فريقٌ من الباحثينَ العلميين .
وللتعرف
على مفهوم الأسلوب المنهجي المتبع في الدراسات والبحوث المسقبلية (الاستشرافية)
المعروف بالسيناريوهات وفقْ البحثِ الحالي، يُمكنُ القول أنَّ السيناريو وصفٌ
لوضعٍ مستقبليٍّ ممكنٍ أو محتملٍ أو مرغوبٍ فيه، مع توضيحٍ لملامحِ المسارِ أو المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى هذا الوضعِ المستقبلي، وذلك انطلاقًا من الوضع الحالي أو من وضع ابتدائيٍّ مفترضٍ،
والأصلُ هو أن تنتهيَ كل الدراساتِ
الاستشرافيةِ إلى سيناريوهات، أي إلى مساراتٍ وصور مستقبلية بديلة (الدوراري وآخرون، 2011: 6).
ويُعد السيناريو الأداةَ التي تعطي للدراسات
والبحوث المستقبلية نوعاً من الوحدة المنهجية ، وذلك بالرغم من تنوع
الطرق التي قد تستخدمُ في إنتاج السيناريوهات ، إلاّ إنها تجتمعُ على وصفِ إمكاناتٍ بديلةٍ للمستقبل، وتقدمُ عرضاً للاختيارات المتاحةِ أمامَ الفعل الإنساني، مع بيانِ نتائجِها المتوقعةِ ، وقد ينطوي تحليلُ السيناريوهات على توصياتٍ
ضمنيةٍ أو صريحةٍ حول ما ينبغي عمَلُهُ
(العيسوي، 2000: 20).
ويُعرفُ
السيناريو بأنه: " فرعٌ رئيسيٌّ من علم المستقبل وتتمثلُ ظيفتُهُ في وصف مختلف الأحداثِ المحتملةِ وتحليل نتائجِها،
بشكلٍ يصفُ الوضعَ المستقبلي، وسبلَ إدارته، ويشمل الماضي والحاضرَ ويصف مستقبلاً
محتملاً عبرَ سلسلةٍ من الافتراضات لأحداثٍ مقبلة، وهو نظامُ عملٍ مبرمج للاستجابة
للأحداثِ والتطوراتِ الرئيسةِ داخلَ إطارٍ من التخطيط المستقبلي ، بهدفِ تحقيقِ
النجاح في المستقبل (زاهر، 2004: 56).
ويُمكن
إيجاز أنواع السيناريوهات على النحو الآتي(الفيشاوي، 1997):
أ- سيناريوهاتٌ استطلاعية: يستطلع الباحث من خلالها الوضعَ المستقبليَّ كما هو دون توجهاتٍ استهدافيةٍ، وهي تنطلقُ من الحاضر إلى المستقبل، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع:
1. السيناريو المرجعي:
يستطلعُ الباحث عبرَه الوضعَ الراهنَ أو الواقعَ المُعاش.
2.
السيناريو المتفائل : يفترضُ الباحث حدوثَ تحسنٍ في
الوضع الراهن نتيجةَ السياسات ِالإصلاحية.
3. السيناريو المتشائم : يُبرز الباحثُ عبرَه الظواهرَ
السلبيةَ في المجتمع ، ويبرز غيابَ المقدرةِ على الحدِّ منها ، فضلاً عن الوصول
إلى أوضاعٍ ومستقبلٍ غيرِ مرغوب .
ب-
سيناريوهاتٌ استهدافية: ينطلق الباحثُ من المستقبل إلى الحاضر، وهو بذلك
يتصور وضعاً مستقبلياً معيناً يسعى إلى الوصول إليه.
طرق بناء السيناريو:
من الطرق والأساليبِ المتبعةِ في بناء السيناريوهات ما
يلي (العيسوي، 2000):
- الطريقةُ الحدسيةُ : وهي أساسُ نشأةِ فكرةِ السيناريو،
تتمثلُ في إطلاق المقدرةِ على التصور والخيال في التنبؤ بالمسار المستقبلي للظاهرة،
دون الالتزامِ بقواعدَ وافتراضاتٍ معينة.
- طريقةُ النمذجة: تستخدم النماذجَ الكميةَ في بناء السيناريوهات
عبر طريقةِ النمذجة، من خلال تصورِّ الوضعِ الحاليِّ بمختلفِ متغيراتِه، وبناءَ نموذجِ كميٍّ يصلحُ لدراسة الظاهرة، وتطبيقِهِ
لوضع البدائل المستقبلية للظاهرة، وتقديرِ ما يصاحبُ ذلكَ من تكاليف ومنافع.
- الطريقةُ التفاعلية:
وتتمثل بالمزج بين الطريقة الحدسية وطريقة النمذجة،
ويكون ذلكَ بالاستعانة بكلًّ منهما، وفقاً لما تقتضيه جودةُ النتائج،
ويتمُّ الانتقالُ بَيْنَ الحدسِ والنمذجةِ ذهاباً وإياباً مراتٍ عديدة إلى أن يتمَّ
الوصولُ إلى السيناريوهات المرجوة.
وتمرُّ عمليةُ بناءِ السيناريوهات بخمسِ مراحلَ أساسيةٍ
على النحو الآتي(الساحلي، 2013):
§
مرحلةُ المفاهيم: يتمُّ فيها تعريفٌ دقيقٌ
للحدثِ أو الظاهرةِ التي من أجلها يُصاغُ
السيناريو وتُطْرَحُ في هذه المرحلة أسئلةٌ معينةٌ مثل: ما الظاهرةُ
المرادُ دراستُها؟ ما الفترةُ الزمنيةُ التي يعملُ السيناريو على تغطيتِها؟ ماهي المشكلةُ التي يتمُّ التعاملُ معها؟ ما محدداتُ دراسةِ الظاهرة ؟ ما طبيعةُ المعلوماتِ المتوفرة: (كميةً، نوعيةً، ثانويةً، أولية(W؟
§
مرحلةُ تحديدِ العواملِ الرئيسة: تتضمن ( المتغيرات، التطورات، الأفراد الفاعلين
الذين يُؤثرون بشكل مباشر في
الظاهرة المدروسة).
§
مرحلةُ تحليلِ العواملِ الرئيسة: يتم في هذه المرحلةِ استخدامُ التقنياتِ اللازمة لتحليل البيانات والمعلومات حول العواملِ المؤثرة في
الظاهرة المدروسة، وتشملُ هذه التقنياتُ
الأساليبَ الكميةَ والنوعية في التحليل إضافةً إلى طبيعة التحليل في حال كانت قائمةً على الانطلاق من الواقع أو من المستقبل المرغوب فيه.
§
مرحلةُ كتابة السيناريوهات : يتم بناءُ هذه المرحلةِ استناداً على نتائج المرحلة السابقة من
حيثُ دراسةِ الارتباطاتِ بين العوامل الرئيسة في وضعها الحالي والمستقبلي، وكتابةِ
سيناريو يعكسُ كلَّ حالة، وغالباً ما تُستخدمُ في هذه المرحلة الطرقُ النوعيةُ، إلا أنَّ
العواملَ قد تكونُ متداخلةً بشكلٍ كبيرٍ ما يدعو إلى استخدامِ بعضِ الأدواتِ الكميةِ والنماذجِ الرياضية.
§
مرحلةُ ترجمةِ السيناريوهاتِ إلى استرتيجياتٍ وسياسات : تتضمنُ هذه المرحلةُ توصيفَ السيناريو المختارَ الذي تم استنتاجُهُ وكيفيةَ الاستفادةِ منهُ في بناء استراتيجياتٍ فعالةٍ للوصولِ إلى الأهدافِ المرغوبة.
الاستشرافُ
في البحوثِ العلميةِ العربية
لم يُرصدْ
أيُّ اهتمامٍ بالدراساتِ الاستشرافيةِ في الوطن العربي قبلَ السبعينياتِ من القرن الماضي، وحتى المحاولاتُ الأولى التي قادها الرعيلُ الأولُ من المفكّرين كانت محدودةً وفقيرةً
في أدواتها وتقنياتها،
وقد اكتسبتْ تلك الدراساتُ أهميةً متزايدةً في الثمانينيات والتسعينيات، نتيجةَ
التغيّرِ في مفاهيمِ التنميةِ وهجرةِ المفاهيمِ التقليديةِ القديمة ، واستُبدلَتْ بمفهوم التنميةِ المستدامة، وهو بطبيعتهِ مفهومٌ مستقبليٌّ يهتمُّ بحقوق الأجيالِ القادمة، ويُعنى بدمجِ الاعتباراتِ الاجتماعيةِ والثقافيةِ والسياسيةِ جنباً إلى جنب مع الاعتبارات الاقتصادية؛
لذلك فالتنميةُ بهذا المعنى يمكنُ أن تستغرقَ مدىً زمنياً أطولُ من المدى الطويلِ المتعارفَ عليهِ في التخطيطِ الاقتصادي، كما عرفتهُ بعضُ التجاربِ القطرية Aالعربية (منصور،
2011).
ومن دون الاستشرافِ
العلميِّ للمستقبل العربي، ستبقى محاولاتُ معالجةِ كثيرٍ من القضايا التربويةِ والتعليميةِ
والاجتماعيةِ والاقتصادية العربية معلّقةً في إطار التمنّيات، وستظلُّ إلى حدٍّ كبير عاجزةً عن الفصل في الخيارات المطروحة لظواهر
عديدة كالفقر، وعمالة الأطفال، والأمية بجميع أنواعها، والبطالة، وما إلى ذلك،
ويُسجلُ الواقعُ العربيُّ بعضَ الجهودِ في مجالِ الدراسات المستقبلية
منها: بعضُ الدراساتِ التي تُمثلُ عملاً مؤسسياً اضطلعتْ به مؤسساتٌ معظمُها ينتمي إلى المجتمع المدني، وليس
إلى الحكومات إلاَّ فيما ندر،
إذ غاب
عنها سمةُ المتابعة والتراكم والاستمرار،
وبالتالي بدت هذه المحاولاتُ وكأنها كلماتٌ
متقاطعةٌ تحتاجُ إلى من يربطُ بينَها، ويمكنُ
رصدُ أمثلةٍ على ذلك: كدراسة استشراف المستقبل العربي التي صدرتْ في عام 1975 ، وعنوانها: " الوطن العربي عام 2000 " عن مؤسسة المشاريع والإنماء العربية،
وهي نتاجُ عملٍ جماعي لفريق من الخبراء والمثقفينَ العرب ،
وبدأ مشروعُ الدراسةِ من الفكرة القائلة بأنه
إذا لم يخطط العربُ لمستقبلهمْ بأنفسهمْ تولَّى غيْرُهُم
ذلك(زحان، 1995).
ومن الأمثلة الأخرى ما أورده
العيسوي (2000) على النحو الآتي:
-
دراسةُ المستقبلاتِ المصريةِ البديلةِ وعنوانُها: ( مشروع مصر 2020)، خلال منتدى
العالمِ الثالث بمكتب الشرق الأوسط في القاهرة، وبدأت الدراسةُ بدعوة المفكر
الدكتور صبري عبدالله إلى مجموعة صغيرة من المفكرين للألتقاء والتدوال في مدى حاجة
مصر إلى دراسة مستقبلية تستطلعُ آفاقَ التنمية الشاملة حتى عام 2020.
-
دراسةُ استشرافِ مستقبل الوطن العربي التي أجراها مركزُ دراساتِ الوحدةِ العربية
في بيروتَ خلال الفترة 1985-1988، وأُجريتْ دراسةٌ في الفترة 1980-1982 ، وقد طورت
نموذجاً للمحاكاة وتقييم السيناريوهات البديلة، إلاّ أنَّ الصعوباتِ المالية وقفت
حائلاً دون استعمالِ النموذج.
-
دراسةٌ أُنجزتْ في خريف 1977 في إطار مشروعٍ بحثيٍ اعتمد ثلاثةَ سيناريوهات:
السيناريو التركي، السناريو المكسيكي، سيناريو التنميةِ المعتمدةِ على الذات، وجاء
اختيارُ الدراسةِ للسيناريو الأخير ، على اعتبار أنه المفضلُ من وجهةِ نظرِ
الدراسة.
وثمةُ معالجاتٌ أخرى عبرَ
الدراساتِ الاستشرافية، إلاّ أنها غيرُ كافيةٍ ومبتورةٌ نظراً لتوقف كثيرٍ منها
بسبب غيابِ الدعمِ المالي.
يُمكنُ
القولُ
إنَّ الدراساتِ الاستشرافيةَ المستقبليةَ تعدُّ من الدراسات العصرية ذاتِ المناهج العلميةِ التي تساعدُ في ديمومةِ واستمراريةِ التنميةِ، وتطويرِ مقدرةِ الإنسان خاصةً وأنَّ منْ بينِ أهدافِ الدراساتِ المستقبليةِ اقتراحُ الصورِ الممكنة للمستقبل
الأفضلِ، وذلك من خلال معرفةِ ماهو ممكنٌ، وماهو محتملٌ، ومايجب أن يكون، وتقديمِ الخيارات لصُناع القرار، هذا فضلاً عن توفيرِها للقائمينَ بعملية التخطيط
والاستراتيجيات، جانباً مهماً من القاعدة المعرفية التى تُعينُ على صياغة الاستراتيجيات، ورسم الخطط، وتوفير قاعدةِ
معلوماتٍ مستقبليةٍ للمخطط الاستراتيجي، وصانع القرار، بمعنى
توفيرُ معلوماتٍ حول البدائلِ الممكنة، إذ
أنَّ أيَّ عملٍ
تخطيطيٍّ فاعلٍ غالباً مايكونُ مسبوقاً بجهدٍ وقدرٍ من العملِ الاستشرافي.
ومن هنا فإن الهدفَ من الدراسات المستقبلية يتمثلُ
في تقديم الخيارات الاستراتيجية الفُضلى،
خاصةً في ظل عدم ضمانِ أو يقينيةِ المستقبلِ عبرَ تعدد الرؤى والسيناريوهاتِ
التى يُعتقدُ في صلاحيتها للمستقبل؛ فما تتيحه الدراساتُ المستقبليةُ من إضفاءِ طابعٍ مستقبليٍّ طويلِ المدى على التفكير، يُعدُّ علامةً من علامات النضج العقلي والرشد
والموضوعية في اتخاذ القرار، فينبغي استصحابُ كل الاعتبارات والتداعيات المحتملة على المدى الطويل
في القرارات التي تتخذ، إذ تُسهم الدراساتُ المستقبليةُ في تحقيق ذلك من خلال اكتشافِ المشكلاتِ قبل وقوعها، ومن ثم الاستعداد، والتهيؤ
للعمل للحيلولةِ دونَ وقوعها، بمعنى الاستعدادُ المبكرُ
للمستقبل، أو على الأقل المشاركةُ في صنعه.
كما يُمكنُ القولُ إن الغايةَ من الدراسات والبحوث
المستقبلية تكمنُ في توفير إطارٍ زمني بعيد المدى ، والعملِ وفق رؤيةٍ ذاتِ أفقٍ
زمني طويل ، إذ تضفي البحوثُ المستقبليةُ طابعاً مستقبلياً على تفكير الباحث؛ ما
يُظهرُ علاماتِ النضجِ العقليِّ والجدةِ في اتخاذ القرار، بحيثُ يُؤثرُ قرارُ
اليومِ وسلوكُ الحاضرِ على مستقبل أبناء الغد، وإذا أُريد لهذا المستقبل أن يكون
فاعلاً ومؤثراً ينبغي أن يُصورَ القرارُ مشاهدَ وصوراً لنتائجَ وتداعياتٍ محتملةٍ
على المدى الطويل.
استناداً
على ذلك، فقد وردت عبارةٌ ذات مغزى قالها بوش الأبُ عبرَ الوثيقةِ التي أطلقتها أميركا
في التسعينيات بعنوان: "الاستراتيجية الأمريكية في عام 2000" ، مفادها:
" إنَّ القرنَ الحادي والعشرين
قادمٌ نحونا، وكلُّ من يتساءلُ منا كيف سيكونُ هذا القرن؟ سيجدُ إجابةً عن
سؤاله في المدارس الأمريكية".
الأمر الذي يُشيرُ إلى أهميةِ
دمجِ ثقافةِ استشرافِ المستقبلِ في المناهجِ الدراسية؛ لتمكين الأجيال القادمة من
صناعة مستقبلٍ يزخرُ بالإيجابيات في مجالات الحياة كافة، وبذلك تتبلورُ مقولة:
" اصنع مستقبلك قبل أن يصنعَهُ لكَ الآخرون" .
التوصيات:
1.
أن تتوفرَ مساقاتٌ حولَ الدراسات
والبحوث الاستشرافية (المستقبلية) في
المقررات الدراسية الجامعية، عبر تضافرِ جهودِ وزراء التعليم العالي، واتحادِ
الجامعات العربية، واتحادِ مجالسِ البحثِ العلمي.
2.
أن تُنشأَ وحداتٌ ومراكزُ مستقلةٌ
لتدريبِ الباحثينَ والمهتمينَ على كيفية صياغة وبناء الدراسات الاستشرافية
لتمكينهم من خريطة الدراسات الاستشرافية المتواجدة في البلدان العربية ، على غرار
الوحدات المستقلة لإدارة الأزمات والتنبؤ بها.
3.
تشجيعُ الطلب على مراكز الدراسات
والبحوث الاستشرافية وتسويق منتجاتها عبر الإعلام التقليدي والإلكتروني، وعبرَ
الملتقياتِ والندواتِ والمؤتمرات .
4.
أن يُعادَ تشكيلُ العقل العربي، وتبني
خلقِ تيارٍ وطنيٍ وقوميٍ يمتلكُ عقلاً منهجياً نقدياً متمرداً على
الأشكال التقليدية، وذلك بإطلاقِ مشروعٍ فكري عقلاني يتناولُ البحثَ العلميَّ وتوجهاتهِ وتوسيعِ
النقاشِ حولَ الدراسات والبحوث التي تستشرفُ المستقبلَ عبرَ اتحادِ الجامعات
العربية، واتحاد مجالس البحث العلمي العربية .
5.
أن تتوجهَ الجامعاتُ العربيةُ
نحو تشجيع البحوث العلمية التي تستشرفُ المستقبلَ وإعطائِها أولويةَ النشرِ عبرَ
مجلاّتِها ، فضلاً عن رفع عملية التقيد بعدد صفحات البحثِ الاستشرافيِ فإنَّ ذلك
يُسهمُ في استطلاع النتائج والتداعيات على المسارات المستقبلية.
قائمة
المراجع
-
إبراهيم، محمد نصحي (2013)، " نشأة الدراسات المستقبلية وتطورها، ورقة بحثية، تم
استرجاع المعلومات عن الموقع الإلكتروني بتاريخ 9/10/2015م، متوفر: www.kenanaonline.com/users/drnoshy/posts/269417.
- حاج أحمد،
أم العز يوسف المبارك (2014)، " مفهوم الدراسات المستقبلية"، مجلة جامعة بحري للآداب والعلوم الإنسانية،
كلية الاقتصاد والدراسات الاجتماعية، جامعة بحري،
السنة الثالثة -
العدد السادس - ديسمبر .
-
الدجاني ، أحمد صدقي (1993)، "رؤى مستقبلية عربية
للثمانينات"، الطبعة الثانية، القاهرة: دار المستقبل العربي للنشر
والتوزيع.
- الدوراري، راشد والعريف، عواطف
والمداح، فاتن ومحمد ، طارق بالحاج (2011)، " وثيقة منهجية حول الدراسات
الاستشرافية " ، المركز الوطني للتجديد البيدغرافي والبحوث التربوية/ قسم
البحوث الاستشرافية والمقارنة، الجزائر.
- زاهر، ضياء الدين (2004)،
"مقدمة في الدراسات المستقبلية: مفاهيم-أساليب-تطبيقات"،
القاهرة: المركز العربي للتعليم والتنمية ، ومركز
الكتاب للنشر.
-
زحان، أنطون (1995)، " الوطن العربي عام
2000 )) "، بيروت: مؤسسة المشاريع والإنماء العربية.
- الساحلي، مبروك ( 2013 ) ، "مناهج وتقنيات الدراسات المستقبلية وتطبيقاتها في التخطيط"
، الملتقى العلمي للرؤى المستقبلية والشراكات الدولية، الخرطوم، السودان.
- عبد الحي، وليد ( 2007 ) ،
"مناهج الدراسات المستقبلية وتطبيقاتها في العالم العربي، القاهرة: مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية.
- عبد الحي، وليد ( 2012 ) ،
" الدراسات المستقبلية النشأة والتطور والأهمية"، مجلة
التسامح
نحو خطاب اسلامي متوازن، تم
استرجاع المعلومات عن الموقع الإلكتروني بتاريخ 9/10/2015م، متوفر:
- عبد القادر، مصطفى
( 1990 ) ،
" استشراف المستقبل ودور التعليم المصري في تحقيقه"، مجلة الدراسات التربوية ، القاهرة، 5(24).
-
العيسوي، إبراهيم (2000)، " الدراسات المستقبلية ومشروع مصر 2020
"، معهد التخطيط القومي، القاهرة، مصر.
- الفيشاوي، فوزي عبد القادر(1997)
، " المستقبلية رؤية علمية للزمن الآتي" مجلة دراسات مستقبلية ، العدد 1، مركز دراسات المستقبل، جامعة أسيوط ، مصر.
-
المهدي، مالك عبد الله محمد (2013)، " مقترح ورقة حول ماهية مفهوم ودلالات الدراسات المستقبلية"، ملتقى الرؤى المستقبلية العربية والشراكات الدولية، في الفترة من 3-5
فبراير، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، كلية العلوم إلاستراتيجية،
اتحاد مجالس البحث العلمي العربية،
ص 34.
- منصور، محمد إبراهيم (2011)، " الرؤية المستقبلية لمصر 2030 : دراسة استشرافية" ، القاهرة: مركز الدراسات المستقبلية.
- النعيري، محمد بن أحمد حسن (2009) ، " أسس دراسة المستقبل: المنظور الإسلامي"، دمشق: دار الفكر للنشر والتوزيع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق