التخطيط الإداري
د. سُمية عيد
النشأة
والتطور:
يُمكن وضع نشأة وتطور التخطيط ضمن مراحل متعاقبة كما يلي:
§
المرحلة البدائية: يُعد التخطيط عملية
قديمة نشأت منذ أن بدأ الإنسان يُنظم في جماعات، إذ مارست تلك الجماعات البدائية
عملية التخطيط بشكل عشوائي غير منظم يفتقر إلى الأساليب العلمية المنظمة، حيث فرض
التخطيط مقتضيات الضرورة في مواجهة الكوارث الطبيعية،وأُطلق عليه آنذاك مسميات
مختلفة: كالتدبير، والتوقع، والحيطة ([1])
.
§
مرحلة عصر النهضة: بدأت هذه المرحلة
بالدعوى للأخذ بالتخطيط المحكم والعملي؛ لإحداث التقدم في المجالات المختلفة، وهذا
يعني أن التخطيط من العلوم الحديثة التي لم تظهر بشكل فعلي إلا بعد اندلاع الثورة
الصناعية وما أحدثته من تحولات عميقة تطلبت عدة تحضيرات وإجراءات التحكم في مجريات
الأمور، وما تتطلبه من تطورات في المستقبل، مما أدى إلى انتقال الفكر التخطيطي إلى
موضع الاهتمام، باعتباره مطلباً اقتصادياً و اجتماعياً ملحاً للنهضة الحضارية
القادمة، ومع هذا ظل التخطيط فكرة لم تكتسب طابعها العملي بشكل عام([2]).
§ مرحلة
التطور التكنولوجي: تم خلال هذه المرحلة، التوصل إلى نموذج شامل للتخطيط، وتحديد الأهداف وصياغة
الاستراتيجية التي ينبغي أن تتم من منطلق الزبائن والسلعة والقيمة المضافة، وليس
من منطلق التغلب على المنافسين وتم التأكيد على جوهر الاختصاص لتركيز استمرارية
النمو والتطور ضمن البيئة العالمية الجديدة، وذلك في عام (1991م) ، وانتهى ذلك إلى
ضرورة أن تُغير المؤسسات مفاهيمها ونهجها من أجل مواكبة التغيرات في العالم عن
طريق الترابط المتبادل بين جميع الفروع في العالم لتقليل التكاليف والتنميط والاستفادة من التعليم
الذاتي،والتخلي عن التقنية المتدنية والميكانيكية المتخلفة ،والالتزام بالجانب
الاستراتيجي للخيارات المطروحة، وفهم معادلات السوق الحديثة والمعقدة، والتأقلم مع المستجدات ومع معطيات الحضارة والتطور " ([3]).
مفهوم التخطيط الإداري:
تعددت مفاهيم التخطيط ، ويرجع سبب اختلاف
مفاهيمه لاختلاف الفترة التاريخية، واختلاف أهداف المجتمعات ، واختلاف تخصصات
الباحثين وخلفياتهم، واختلاف نوع و ميدان التخطيط وعمليات النشاط الاقتصادي
والاجتماعي([4]). لذا فقد اتخذ التخطيط
المعاني التالية:
يُعرف التخطيط على إنه: "مجموعة من
القرارات اللازمة للعمل في
المستقبل، وهو أسلوب تنظيم لعملية التنمية ومواجهة الأزمات، ويشكل عملية اختيار
للأولويات الاقتصادية" ([5]).
ويرى ([6])
بأن التخطيط هو "الوظيفة الأولى من وظائف الإدارة، وهو القاعدة التي تقوم
عليها الوظائف الإدارية الأخرى، وهو عملية مستمرة تتضمن تحديد طريقة سير الأمور
للإجابة عن الأسئلة مثل
ماذا يجب أن نفعل، ومن يقوم به
وأين
ومتى وكيف؟ وبواسطة التخطيط يتم تحديد الأنشطة التنظيمية
اللازمة لتحقيق
الأهداف" .
كما أورد([7])
عن التخطيط بأنه: "عملية تحديد واقع
جهة العمل والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، والوسائل التي تستخدم لتحقيق تلك الأهداف، وهوالعملية التي
تأخذ بالاعتبار نقاط قوّة
وضعف جهة العمل،
والفرص والمخاطر المحيطة".
بينما أشار([8])
بأن التخطيط يُمثل: "عملية لتحقيق أهداف مستقبلية، ووسيلة لتوزيع الموارد
المتاحة على الاستخدامات أو المتطلبات".
في حين أشار ([9])
بأن التخطيط هو:" النشاط الهادف، أو السلوك الموجه للنموّ بطريقةٍ مقصودة ،
وبالنظر إلى الحاضر والمستقبل ، وترتيب الأولويات في ضوء الإمكانيات المادية،
والموارد البشرية المتاحة؛ لتحقيق أهداف محددة".
ويُعرف التخطيط أيضاً على إنه: "رسم للصورة
المستقبلية من خلال تحديد العمل الذي ينبغي اتّباعه في توجيه النشاط البشري؛
لتحقيق أهداف معينة في فترة زمنية معينة، كما أن التخطيط يعدّ مرحلة التفكير التي
تسبق تنفيذ أي عمل ([10]).
كما يعد التخطيط سمة ملازمة للحياة البشرية،
فالإنسان ينظّم حياته وأولويات عمله وفق تصوّر معين يضعه لنفسه حسب ظروفه الماديّة
والاجتماعية، ويمثل بذلك سلسلة من القرارات التي تتعلق بالمستقبل ([11]).
هذا وأُشير إليه على إنه " أسلوب أو منهج
يهدف إلى حصر الإمكانيات والموارد المتوفرة ودراستها وتحديد إجراءات استغلالها لتحقيق أهداف مرجوة خلال
فترة زمنية معينة" ([12]).
كذلك يُمثل التخطيط "عملية عقلية في
جوهرها، فهو استعداد سابق للعمل بطريقة منظمة، وهو عملية رسم الأهداف التي يراد التوصل
إليها خلال فترة زمنية معينة وحشد الإمكانيات اللازمة لتحقيق تلك الأهداف وفق
أساليب كفوءة تختصر الكلف وتعظم النتائج" ([13]).
من هذا المنطلق فقد تم تعريف التخطيط على إنه
" مجموعة العمليات الذهنية التمهيدية القائمة على اتباع المنهج العلمي والبحث
الاجتماعي وأدواته التي تستهدف تحقيق أهداف معينة محددة وموضوعة بقصد رفع المستوى
الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو هذه المستويات جميعاً بما يحقق سعادة الفرد
ونمو المجتمع" ([14]).
أهمية
التخطيط:
يُمثل التخطيط إحدى السمات المميزة للعصر، إذ وصف
عدد من من خبراء التخطيط العصر الذي نعيشه، بعصر التخطيط؛ الأمر الذي يعكس
تعبيراً واقعياً عما تلقاه حركات التخطيط من انتشار عالمي، ومن اهتمام يتنامى
يومياً، إذ إن العمل بلا تخطيط يصبح ضربًا من العبث وضياعاً للوقت ، وانتشار
الفوضى والارتجالية، ويصبح الوصول إلى الهدف بعيد المنال([15]).
وتبرز أهمية التخطيط في توقعاته للمستقبل وما
يحمله من مفاجآت وتقلبات، إذ إن الأهداف
التي يراد الوصول إليها هي أهداف مستقبلية أي أن تحقيقها يتم خلال فترة زمنية
محددة قد تطول وقد تقصر، الأمر الذي يفرض على رجل الإدارة عمل الافتراضات اللازمة
لما قد يكون عليه هذا المستقبل، وتكوين فكرة عن ما سيكون عليه الوضع عند البدء في
التنفيذ([16]).
كما تُشير أهمية التخطيط إلى الآتي([17]).
1.
تمكين الأفراد من التنبؤ بأحداث
المستقبل، ومن تحديد أفضل الأساليب الخاصة بمسيرة العمل .
2.
تمكين الأفراد من صياغة أهداف مترابطة
وغير متناقضة.
3. يوفر
التخطيط ترابطاً منطقياً بين اتخاذ القرار والأهداف العامة
والتفصيلية، وبالتالي تتحدد خطوات العمل بشكلٍ منطقي ومتكامل.
4.
يوفر التخطيط المرونة في تطوير وتعديل
أساليب العمل، ويسهم في خلق التنافس من أجل زيادة الإنتاج أو تخفيضه.
5.
يسهم التخطيط الجيد في الحد من الأخطاء،
وبالتالي يعمل على زيادة كفاءة الانتاجية، ورفع مستوى فاعلية الخدمات.
6.
يُحدد القائمة والتنبؤ بالمشكلات
المستقبلية، ووضع الحلول المناسبة لها.
7.
يحقق رقابة فاعلة في جميع مراحل المتابعة
والتنفيذ.
استناداً على أهمية التخطيط، لا بد من استعراض
مزايا التخطيط وفوائده كالآتي([18]):
1.
يسهم في توفير الأهداف القابلة للتنفيذ.
2.
يسهم في تمكين الإدارات من التعرف على
مواردها المادية والبشرية اللازمة لتحقيق الأهداف.
3.
يُسهم في تنسيق الأعمال، ويحد من ظاهرة
تضارب الأنشطة المتعددة.
4.
يُمكّن الإدارات من إجراء عمليات الرقابة
الخارجية والداخلية.
5.
يعمل على تجنب الهدر في الموارد
والإمكانيات المتاحة.
6.
يوفر التخطيط رؤية واضحة للمستقبل، من
خلال أخذ الحيطة والتأهب والاستعداد لما سيحدث.
7.
يوفر الاستقرار للموظفين من خلال وضوح
المستقبل ، ووضوح الأهداف.
8.
يعمل على توفير الوقت والجهد في عملية
إنجاز الأعمال .
9.
يعمل على تحقيق الأهداف بيسر؛ ليصبح
الطريق إلى رسم المستقبل واضحاً.
هذا ويمكن توضيح أهمية التخطيط الإداري من خلال
الشكل الآتي:

أهمية
التخطيط الإداري
المصدر: رائد عبد
الله أحمد النعيمات. أثر استخدام التخطيط في تحسين مستوى إدارة الأزمات
لدى المؤسسات العامة في محافظة البلقاء. رسالة
ماجستير في الإدارة العامة غير منشورة. جامعة البلقاء التطبيقية: السلط، الأردن.
2012م. ص31.
يتضح من خلال الشكل ، أن أهمية التخطيط تتمثل في
إسهامها بفهم الاحتياجات والقضايا الحالية ، وفي توضيح الاحتياجات المستقبلية،
بالإضافة إلى إعطاء رؤية واضحة للمستقبل ، وبالتالي فإن تحقيق الأهداف يصبح أمراً
يسيراً.
مراحل
التخطيط:
تمثل مراحل التخطيط الخطوات المتبعة للقيام بعملية التخطيط ، حيث تم إجمالها
بالآتي غنيم([19]):
§
مرحلة الإعداد : هي
الخطوة الأولى والرئيسة في عملية التخطيط ، بحيث يتم من خلالها وضع الأهداف العامة
في ضوء الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة، ومن ثم يتم تحديد الأهداف الفرعية
التفصيلية، حيث يتم تحديد هدف لكل مجال من مجالات العمل.
§
مرحلة المتابعة
والتنفيذ: تأتي هذه المرحلة
بعد وضع وتحديد الأهداف مباشرةً ، وهي تمثل الأنشطة والإجراءات العملية كافة؛
لتحقيق الأهداف التي حددت سابقاً ، ويتم خلال هذه المرحلة القيام بعمليتي المراقبة
وتصحيح الأخطاء.
§
مرحلة التقييم: تتمثل هذه
المرحلة بالعمل النهائي، إذ يتم متابعة العمل والإشراف عليه باستمرار؛ لإجراء
التعديلات المناسبة عند الضرورة والتعرف مرحلياً على ما تم إنجازه وما تم تحقيقه
من أهداف.
أنواع التخطيط: يمكن تصنيف التخطيط بناءً
على محاور عديدة، إذ تم تصنيفه إلى هيكلي، ووظيفي تبعاً للأهداف، ومن حيث المجال
تم تصنيفه إلى شامل وجزئي، وصُنف أيضاً إلى تخطيط طبيعي، وتخطيط اقتصادي ، وتخطيط
اجتماعي بناءً على الميادين التي يتناولها التخطيط ، ومن حيث المستوى صُنف إلى
قومي، وإقليمي، ومحلي، وجاءت أنواع التخطيط لتُبرز محور الزمن فصنفت إلى تخطيط
طويل المدى، تخطيط متوسط المدى، وتخطيط قصير المدى، ومن أنواع التخطيط أيضاً:
التخطيط المركزي والمتمثل بالوزارات أو الهيئات المسؤولة في الدولة عن التخطيط،
وهناك التخطيط اللامركزي ، وذلك وفقاً للأجهزة المشرفة على التخطيط ([20]).
المبادئ
الأساسية للتخطيط: يمثل التخطيط
مرحلة مهمة في عالم الأعمال، وهي المرحلة التي تسبق التنفيذ، بل وتعتمد
عمليات التنفيذ عليها، حيث يشير التخطيط المنظم دائماً إلى تحقيق أقصى منفعة بأقل
التكاليف، ويرتبط التخطيط بمجالات
الأعمال، والقطاعات كافة، وللتعرف على المبادئ التي يرتكز عليها التخطيط ، تمت
الإشارة إليها كالآتي ([21])
المبدأ
الأول: الواقعية: بمعنى وضع الخطط على أسس علمية، تقوم على تقدير الإمكانات
المادية والبشرية معاً، وتقوم أيضاً على حصر الاحتياجات الحقيقية للأفراد، والعمل
على تحقيق أفضل مطابقة ممكنة بين الموارد والاحتياجات وفقاً لمعايير مدروسة.
المبدأ
الثاني: الشمول : ويقصد بهذا المبدأ الأخذ بعين الاعتبار ضرورة شمول الخطة
على الجوانب التعليمية، الاجتماعية، الاقتصادية، الصحية، السكانية، والدينية، لما
بينها من ترابط وظيفي.
المبدأ
الثالث: التكامل : يبرز مبدأ التكامل عناصر العمليات الإدارية بوصفها كلاً
متكاملاً، إذ يتم وضع خطط متكاملة لا يشوبها نقص أو تقصير، بحيث لا تنفصل مراحل
التخطيط عن بعضها البعض، فمرحلة الإعداد لا تنفصل عن مرحلة التنفيذ، وهذه بدورها
لا تنفصل عن مرحلة المتابعة والتقييم ، إذ ينبغي الربط بين جميع المراحل ؛ ضماناً
لاستمرار العمل وتكامله.
المبدأ
الرابع: التنسيق : يبرز هذا المبدأ التنسيق على مستويين، الأول
التنسيق بين الأهداف التي ترمي الخطة لتحقيقها، والثاني التنسيق يبن الإجراءات
والوسائل والسياسات اللازمة لتنفيذ الخطة.
المبدأ
الخامس: التوقيت الزمني: بمعنى أن تعتمد الخطة على فترة زمنية محددة
لتنفيذها، مع مراعاة التغيرات التلقائية التي قد تحدث خلال الفترة الزمنية المحددة
لتنفيذ الخطة، لذا لا بد هنا من مراعاة المرونة في تشكيل وتحديد الزمن.
المبدأ
السادس: البعد المكاني: أن تكون الخطة الموضوعة قابلة للتنفيذ في
المكان المحدد لها، وإجراء تعديلات تستلزمها ظروف المجتمع المحلي، وخصائصه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق