المعرفة والنسبية
د. سُمية عيد
إن المعرفة العلمية تتطور باستمرار ، ومهما كانت الآراء
حول معرفة معينة بأنها وصلت إلى الاستقرار ، فإن التطور يتجاوز ذلك بآراء جديدة ،
ففي زمنٍ ما، كانت فيزياء نيوتن هي المعرفة الأخيرة في الميدان الفيزيائي، إذ
عبّرت عن حقيقة مطلقة قرنين من الزمن، وجاءت فيزياء أينشتيْن لتتجاوز فيزياء نيوتن
ولتثبت بأنه ما كان حقيقة مطلقة أصبح حقيقة نسبية.
بناءً على ذلك، قد تحل النظرية العلمية محل القديمة وتنسخها
أو تلغيها، وفي حالات أخرى لا تكون النظرية الجديدة بديلاً يُلغي النظرية القديمة،
بل توسعها وتفسرها وتشرحها ؛ ليتضمن الجديد كل ما هو قديم ، وهكذا فإن الباحث العالم
يستمد خط بدايته من حيث توقف غيره.
ولكي يتم
التوافق بين الاعتقاد حول المعرفة بأنها مطلقة وفي نفس الوقت هي نسبية، فالمعرفة
تمثل حقيقة علمية نسبية بمعنى أنها تختلف من فرد لآخر، وتمثل المعرفة حقيقة علمية
مطلقة بمعنى أنها تتجاوز نطاق الفروق والاختلافات بين الأفراد؛ لتفرض نفسها على
العقل الإنساني عامة، فمثلاً أوزان الأجسام تظل صحيحة في إطار الجاذبية الأرضية،
فهي معرفة ذات حقيقة مطلقة تفرض نفسها على كل عقل بشري في حدود المعرفة الراهنة ،
ولكن إذا تم نقل الأجسام إلى مجال القمر مثلاً فإن الأوزان سوف تختلف وتتغير ، وهذا ما يُشير إلى عدم وجود تعارض بين
الطابع المطلق للمعرفة والطابع النسبي لها.
عن كتاب التفكير
العلمي بتصرف
للدكتور: فؤاد زكريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق