مؤشرات حول التفكير المنظومي/ أ. سُميّة عيد الزعبوط

 

مؤشرات حول التفكير المنظومي

أ. د سُميّة الزعبوط

يُشير التفكير بشكلٍ عام إلى أنشطة ذهنية (عقلية) فهو ليس إحساسًا أو إدراكًا ، بل يتجاوز الإحساس والإدراك إلى الأفكار المجردة، وقد يُعبر التفكير عن  عملية نفسية ذات طبيعة اجتماعية تتصل اتصالاً وثيقًا باللغة وتستهدف البحث عما هو جوهري في الأشياء والمواقف الظواهر، ويراه آخرون أنه سلوك منظم مضبوط وموجه، له وسائله الخاصة وله طرائقه في تقصي الحلول والحقائق فى حال عدم وجود حل جاهز لها .

إن معظم الأشخاص الذين يقرؤون عن التفكير المنظومي، أو الذين يلتحقون بدورات التفكير المنظومي يجدون أن هذا التفكير  يتعلمونه بالتجربة والممارسة، وفي الواقع هذا ليس غريبًا؛ إذ إن الفهم الحقيقي لعملية التعلم بشكل عام يتحقق  عن طريق الخبرة والممارسة .

ويُمكن القول إن جوهر التفكير المنظومي لا ينقل فقط بكلمات وأفكار، بل  يتحقق جوهره  في رؤية العالم بطريقة معينة ، لأن كيفية الرؤية للأشياء تؤثر على الطريقة التي يتم التعامل بها مع المواقف أو المشكلات، إذ تتأثر الكيفية التي نرى بها الأشياء بشكل كبير بثقافة المجتمع الذي نعيش فيه ونعمل به ، كما تتأثر بأسلوب التعليم.

وهنا يُمكن تناول قصة ألكساندر كالاندرا عام 1959م، التي تُشير إلى التساؤل عن  قياس ارتفاع مبنى شاهقٍ باستخدام  البارومتر (مقياسُ الضغط الجوي)، فاعتمد أحدهم مقياس الضغط  من منطلق أن ضغط الهواء يتغير مع الارتفاع ، فتم قياس  الضغط بين أرضية المبنى والضغط الجوي لسقف المبنى، وبالاستعانة بالفرق بين الضغطين يتم حساب ارتفاع المبنى، وصعد آخر إلى سطح المبنى  بعد ربط البارومتر بطرف حبل، ليدلي الحبل  من أعلى السقف حتى يصل إلى أرضية المبنى، وبقياس طول الحبل الذي يُشير إلى ارتفاع المبنى، واعتمد آخر  قياس ظل الباروميتر وطوله في يوم مشمس، وفي المقابل يتم قياس طول ظل المبنى، ويتم حساب ارتفاع المبنى بواسطة عملية حسابية هي:  طول البارومتر/ طول ظلّ البارومتر= ارتفاع المبنى/ طول ظلّ المبنى.

من هنا فإن هذه القصة توضح استنتاجيْن:

الأول: أن الناس ووجهات نظرهم جزء من المواقف التي عادة ما يتعملون  معها .

الثاني:  هناك أكثر من طريقة للتعامل مع أي موقف.

يمكن أن يساعد التفكير المنظومي في حل المواقف المعقدة التي تنطوي على الأشخاص والأشياء، فمن المهم التركيز على العلاقات بين الأشخاص والأشياء ، كذلك على النظر في الترابط بين أجزاء الكل بدلاً من التركيز فقط على الأجزاء.

ولفهم التفكير المنظومي لا ضير من الاطلاع على آراء العلماء الذين مارسوا مهاراته، وها هو فرانسيس تشابمان: Frances Chapman: يقول أن التفكير المنظومي مهم بالنسبة لي لأنه يساعد على توسيع طريقة تفكيري الطبيعية ، وتوفير أدوات للتعامل مع التعقيد بشكل أكثر ملاءمة والمساعدة في تعميق الفهم ؛ إذ أجد هذا الجانب يساعدني على الاحتفاظ بعقل منفتح على معظم المواضيع ، ويساعد على تقليل التحيز ويساعدني في تكوين وجهة نظر أكثر توازناً.

ويقول جون روبلز: John Robles: يسمح لي التفكير المنظومي بمعالجة المشاكل ليس فقط بطريقة علمية ولكن بطريقة شاملة توضح نهج رعاية لجميع الأشخاص على جميع المستويات المرتبطة بالمشكلة التي تتعلق بالأنظمة المعنية.

أما سارة سميث: Sarah Smithفتقول: إن التفكير المنظومي مهم بالنسبة لي لأنه أعطاني طريقة جديدة وأفضل لعرض المواقف المعقدة ، سواء في المنظمات أو على المستوى الشخصي.

ويقول بوب سوندرز: Bob Saunders: إنني أدرك الحاجة إلى اتخاذ نظرة شاملة للحالات في مجال خبرتي في إدارة المشاريع، إذ تفشل كثيرٌ من المشاريع بسبب حذف العنصر البشري أو حذفه بشكل سيئ من قبل مدير المشروع، لقد ساعدني التفكير المنظومي في التعامل مع التعقيدات.

يُعد التفكير المنظومي مدخلاً إصلاحيًا شاملاً للمنظومات كافة، إذ يدخل في كل مرفق من مرافق الحياة ، فما الكون الذي نعيش فيه سوى منظومة كبيرة تتضمن منظومات فرعية

متداخلة تربطها روابط معينة .

ويُعد  التفكير المنظومي شكلاً من أشكال التفكير التي تستخدم مهارات التفكير العليا، فمن منطلق طبيعة المشكلات التي تواجه عالم اليوم فهي مركبة ومعقدة، التي عادةً ما تتعلق بنتاج لأعمال ومحاولات سابقة لمعالجتهامن قبل كثير من الأطراف؛ الأمر الذي يُبين صعوبة بالغه في التعامل مع هذا النوع من المشكلات، فغالبًا ما يشوب الحلول المدرجة لهذه المشكلات الضبابية التي تؤول إلى قلة التعاطي معها بفاعلية.