تفسير القرأن الكريم , دروس ومواعظ دينية قرآن فلاش المصاحف الشهيرة لتختار منها المصحف الذي اعتدت التلاوة منه تجول فى مدينة القدس الشريف دليل المواقع الاخبارية , العالمية والمحلية راديو و إذاعة الاصول

السبت، 19 مارس 2016

النظرية المعرفية المفسرة للأخلاق

النظرية المعرفية المفسرة للأخلاق
د. سُمية عيد الزعبوط
اهتم بياجيه بإصدار الحكم الخلقي على سلوك ما، مع إعطاء الأسس العقلية والمنطقية والأخلاقية التي تبرر إصدار مثل هذاالحكم، بصرف النظر عن إمكانية تنفيذه في الواقع وتحويله إلى سلوك خلقي، ويعتبر بياجيه أن التغيرات التي تحدث في تفكير الطفل عبر المراحل المختلفة ليست تغيرات كمية فحسب ، بل هي في الأساس تغيرات كيفية، بالاعتماد على إن البناء العقلي في مرحلة نمو معينة تختلف اختلافاً نوعياً عن المرحلة السابقة لها وتلك التي تليها (العواملة، 2003)
ويدعم بياجيه مقولة عدم وجود حدود زمنية فاصلة بين كل مرحلة وأخرى، وأن الانتقال بينها يتم بصورة تدريجية يصعب معها تحديد وقت محدد للانتقال من مرحلة إلى أخرى، ويُؤكد على إن عملية فرض الأخلاق قد تحدث في البداية فقط، إذ تتجه سمات النمو الأخلاقي من الأخلاقية خارجية المصدر إلى الأخلاقية داخلية المصدر، أي أنها تنتقل من الانصياع لقواعد من خارج الذات إلى الالتزام بقواعد ذاتية تقوم على الاقتناع ؛ الأمر الذي يُشير إلى نظرة بياجيه للأخلاق بأنها سمة في الفرد تنمو وتتطور عبر مراحل معينة (قناوي، 2001).
ويعتبر بياجيه إن نمو الفرد أساس نمو أخلاقه وتطورها ، ويرى بذلك إن التفكير الأخلاقي يشبه في تدرجه ونموه النمو المعرفي، بإشارته إلى إن النمو الأخلاقي للفرد يمر بمرحلتين هما : الأخلاق خارجية المنشأ، والأخلاق داخلية المنشأ كما يلي (محمد، 1991):
المرحلة الأولى: الأخلاق خارجية المنشأ Heteronomous morality
يُطلق على هذا المرحلة أيضاً مرحلة الواقعي الأخلاقي، وتنشأ في المراحل الأولى من
العمر  (مرحلة الطفولة) ومن أهم ملامحها أن الخلق ينبثق من خلال الحكم على وجهة نظر واحدة والمتمثلة بالحدس دون التفات إلى وجهات نظر الآخرين، ومن خلال الحكم على الأمور من بعد واحد وإهمال الأبعاد الأخرى ، بصرف النظر عن إيذاء الأخرين، فالتحدي الأكبر هو تحقيق السبق على الأقران، فضلاً عن الاعتماد على الحرفية في فهم التعليمات.
وتتميز هذه المرحلة بما يلي (الريماوي، 2003)
    أ‌-         تنبع الأخلاق في مرحلة الطفولة من زاوية نتائج السلوك .
 ب‌-      الاعتقاد بأن الأخلاق ثابتة لا تتغير وأن الالتزام بها لابد وأن يكون مطلقاً.
ج-الاعتقاد بالعدالة المطلقة للأخلاق، وأن من يخالف القانون الأخلاقي لابد وأن يعاقب فوراً.
المرحلة الثانية: الأخلاق داخلية المنشأHeteronomous morality
يُطلق على هذا المرحلة أيضاً مرحلة النظرية النسبية، وتنشأ في المراحل العمرية التي تلي المراحل الأولى ( مرحلة الطفولة المتأخرة)  ومن أهم ملامحها أن الخلق ينبثق من خلال الحكم على وجهات نظر متعددة والأخذ بوجهات نظر الآخرين، كذلك من خلال احترام متبادل وتعاون بين الأفراد ، ما يُشير إلى أهمية التفاعل مع الأقران في تطوير النمو الأخلاقي، ومن خلال التفكير المجرد لدى الأفراد، الأمر الذي يعكس علاقة منطقية عقلانية على أساس التفهم (قناوي، 2001).
وتتميز هذه المرحلة بما يلي (قناوي، 2001):
1.    تُؤكد الأخلاق في هذه المرحلة نية الفرد وقصده في اعتباره عند إصدار حكمه على صحة فعل ما أو خطئه.
2.  تُؤكد التعاون والتبادل، بمعنى أنه ينظر إلى القواعد باعتبارها محددة باتفاق متبادل، وأنها تعتمد على الظروف الاجتماعية، فالطفل يدرك أنه لا يوجد صواب مطلق ولا خطأ مطلق.
3.  تتصف الأخلاق بالمساواة والعدالة، فالأخلاق داخلية المنشأ تعني أن المعايير الأخلاقية تنبع من الداخل عن اقتناع ذاتي، ودون فرض خارجي من أي مصدر .
4.  تمتاز الأخلاق بمشاركة الفرد في وضع القواعد وتغييرها، واتخاذ مختلف الأدوار التي تهيئ استبصاراً في وجهات نظر بديلة للقواعد والمواقف.
وتتمثل النظرية الاجتماعية لـ بك وهافجهرست (Peck & Havighurst) بخمسة أشكال لنمو الأخلاق ، والتي جاءت على النحو الآتي (قناوي، 2001):
§ الحياد الأخلاقي : ويختص هذا الشكل في النمو الأخلاقي خلال مرحلة الطفولة ، إذ لا يعرف الطفل المبادئ الأخلاقية ولا الضمير.
§  الميل الأخلاقي:  يميل الطفل في هذه المرحلة لأن يعمل وفقاً لتقاليد المجتمع؛ لكي يتجنب
§  العقاب ويحصل على الثواب فقط .
§ المسايرة الأخلاقية: وتتمثل في مرحلة الطفولة المتأخرة، حيث يتبع الفرد السائد من الأخلاق، بمعنى الالتزام بما هو سائد من أخلاق وعادات في المجتمع.
§ الضمير اللاعقلاني:  وتتمثل أيضاً في مرحلة الطفولة المتأخرة، حيث يحكم الفرد على المواقف وفقاً لمعاييره الداخلية أو الذاتية عن الصواب والخطأ مع اهتمامه القليل بموافقة أو عدم موافقة الناس من حوله على سلوكه الأخلاقي .
§ الغيرة الأخلاقية:  وتتمثل في مقدرة الفرد ووعيه بمعايير مجتمعه، وإيحاءات ضميره ذاته، ومقدرته على أن يراعي القواعد الأخلاقية، حيث اعتبر أصحاب النظرية إن الغيرة الأخلاقية هي أعلى مراحل النمو الأخلاقي، ولا يفترضان وصول هذه المرحلة بالضرورة لكل فرد.
وتركز نظرية لورنس كولبرج ( Kohlberg) على البناء المعرفي للفرد، وبذلك تتجاهل القيم الثقافية التي عادة ما تفضي إلى الأخلاق، إذ لا يُمثل النمو الأخلاقي عند كولبرج معرفة أو دراية متزايدة بالقيم الثقافية، ويرجع السبب في ذلك إلى تفاوت القيم ومضمونها يتفاوت من ثقافة إلى أخرى، ومن ثم فإن دراسة القيم الثقافية المتعلقة بنمط ثقافي معين لا تكشف عن كيفية تفاعل الفرد مع بيئته الاجتماعية أو سلوكه في حل المشكلات المتعلقة بعالمه الاجتماعي؛ الأمر الذي يتطلب تحليلاً لأنماط التفكير الأخلاقي التي وجد أنها عامة في جميع الثقافات (حميدة،  1990)
ويدعم كولبرج توجهات بياجيه في التفكير الأخلاقي وفقاً للطريقة التي يفكر بها الأفراد في المشكلات الأخلاقية وليس وفق الاستجابة الأخلاقية ذاتها، لأنه يرى أن التركيز على الاستجابة يتجاهل مغزى السلوك، فقد يوجد مثلاً فردان يسلكان نفس السلوك ولكن لكل منهما هدفاً خاصاً به، والتفكير الأخلاقي هو نمط التفكير الذي يتعلق بالتقييم الخلقي للأشياء والأحداث، وهو يسبق كل فعل أو سلوك خلقي، فالتفكير الأخلاقي ليس مجرد تطبيق وتنفيذ لنظام أو قانون سائد، بل تعقل كامن وراء الاختيار بين الصواب أو الخطأ فهو يتعلق بالطريقة التي يصل بها الفرد إلى الحكم، والوقوف على مبررات هذا الاختيار (عبد الفتاح، 2001).
ويتفق كل من بياجيه وكولبرج على أن الاتجاه الأخلاقي ينبثق من التطور المعرفي، الذي هو نتاج تفاعل إمكاناتهم البيولوجية وخبراتهم الاجتماعية، وبالتالي فهما يناديان بالمرحلية في نمو الحكم الأخلاقي، وتُفسر النظرية عملية تطور الأخلاق من مرحلة لأخرى، بأن ذلك يعود إلى إن النمو الأخلاقي يتأثر بعوامل انفعالية ووجدانية مثل القدرة على تفهم الآخر وتقمص الأدوار، كما يتأثر بالتفاعل الاجتماعي .ويعد التفاعل بين الفرد وبيئته هو الذي يحدد مسار تطور التعليل الخلقي، وبالرغم من ضرورة التفاعل إلاّ إنه ليس كافياً للسلوك الأخلاقي، إذ هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في السلوك الخلقي كالعاطفة أو الناحية الانفعالية، والحس العام بالإرادة، وقوة الذات، من هنا يُعد الحكم الخلقي العامل المميز في السلوك الخلقي ولكنه ليس العامل الأوحد في هذا السلوك (الريماوي، 2003).

قائمة المراجع

- حميدة، فاطمة إبراهيم ( 1990 ) ، التفكير الأخلاقي ، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية للنشر والتوزيع.
- الريماوي، محمد عودة ( 2003 )،علم نفس الطفل، عمّان:  دار الشروق للنشر والتوزيع.
- عبد الفتاح جادو الحسين عبد الفتاح ( 2001 )، الفكر الأخلاقي ، القاهرة : دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع.
- العواملة، حابس ومزاهرة، أيمن ( 2003 ) ، سيكولوجية الطفل، عمّان: المكتبة الأهلية للنشر والتوزيع.
- قناوي، هدى محمد وعبد المعطي، حسن مصطفى ( 2001 ) ، علم نفس النمو ، القاهرة : دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع.
- محمد، عادل عبد الله ( 1991 ) ، اتجاهات نظرية في سيكولوجية نمو الطفل والمراهق، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية للنشر والتوزيع.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق