موطن الإبداع
(2)
د. سُمية عيد
حين يتفاعل الإنسان مع عالمه الخارجي، فإنه يتفاعل وفق
أسلوبيْن: العقلي، والعاطفي (العقل والقلب)، إذ إن التوازن بين العقل والعاطفة أمر
ضروري لتمكين الإنسان من أن يكون مبدعاً، فالعاطفة
تكون قوية جداً عند الطفل، وتُحدِث العاطفة تقلبات في المزاج خلال
فترة المراهقة والتي تعبر عن
الفترة الانتقالية بين مرحلة الطفولة والبلوغ ، وكلما ابتعد الفرد عن مرحلة الطفولة
نحو البلوغ ، ازدادت مقدرته في السيطرة على العواطف وقلت نسبة تحكم الأحاسيس والمشاعر بتصرفاته.
من هنا فإن العقل والعاطفة ملكتان في الإنسان يكمل كل
منهما الآخر، إذ تُغذي العاطفة العقل وتمده
بالمعلومات، بينما يُنقي العقل العاطفة ويحسنها، حيث إن العاطفة حاجة
أساسية للعقل، والمحافظة على التوازن بين العقل
والعاطفة أساسيّ؛ من أجل الوصول إلى شخصية مبدعة ؛ إذ تعمل عناصر الإبداع مع بعضها البعض
بانسجام دون معارضة أحدها الآخر .
ويُمكن القول إن العمل الإبداعي لا يعتمد كلياً
على العقل، ولا يعتمد كلياً على العاطفة أيضاً ، إذ إن العمل الإبداعي حين يحدث يكون متأثراً بالإلهام عن طريق جزء من الدماغ
يُحدث فكرة مفاجئة للعقل، لذلك يُنصَح الإنسان
عند التفكير بمشكلة يستعصى حلها ، أن يتركها ويحاول عدم التفكير فيها، وفي معظم
الأحيان سيأتيه الحل فجأة عن طريق الجزء اللاشعوري من الدماغ ، إذ يقوم هذا الجزء
من الدماغ بدراسة المشكلة وإرسال الحل بصورة مفاجئة، ويُمكن القول هنا إن الإبداع
ليست عملية فكرية بشكلٍ كلي؛ لأنها تتكون من خلال اشتراك طاقات أخرى كالإلهام
والخيال والمشاعر.
هذا ويكمن موطن الإبداع في التفكير (العقل)
والمعرفة والعاطفة والإلهام، إذ إن معظم الذين قدموا للبشرية إنجازات وأعمال
مبدعة، كان لديهم المعرفة والعاطفة القوية اتجاه العمل والاستمرارية فيه.
والذي يزور هذا الموطن
يجد إن العملية الإبداعية في حركة تفاعل مستمرة، وتضم جوانب
مختلفة من الخبرات؛ إلاّ إن التطورات
العلمية المتزايدة والنمو الكبير في المعرفة أدى إلى الاتجاه نحو التخصص ، ومع هذا
فإن كثير من الأفكار الجديدة تولد نتيجة الحوار والتفاعل بين المجالات الفكرية
المختلفة وتبادل الأفكار فيما بينها ؛
الأمر الذي يُسهم في خروج أفكار جديدة خلاقة
ومبدعة تُسهم في تطبيقات وإنجازات مهمة
تساعد على إنتاج المزيد.
ويجد أيضاً إن
الإبداع ليس عملاً فردياً ؛ إذ يتأثر بأفكار وأعمال الآخرين، ويثمر من خلال أوضاع
وظروف ثقافية تشجع على الابتكار ، وبالمقابل يمكن لأوضاع ثقافية معينة أن تقتل روح
الإبداع في المجتمع ؛ الأمر الذي ينتج عنه هجرة الأفراد المبدعين ، وهنا يتحول الفكر
الإبداعي الى قوة هدامة .
كما يجد إن الإبداع يدعو دائماً الى الانفتاح والتمازح
المستمر بين الثقافات المختلفة، فهو عمل تراكمي يحصل بمساعدة أفكار ونظريات في
مجالات مختلفة، ويتأثر أيضاً بالتطورات العلمية الحاصلة في مجالات ومجتمعات ثقافية
مختلفة.
بالإضافة إلى إن العمل الإبداعي لا يلتزم بالمنطق بصورة
مطلقة ، وهو لا يقتصر على فئة معينة من الناس
أو مجالات معينة ، وإنما يشمل جميع جوانب الفكر الإنساني ونشاطاته ، فتأتي الضرورة الملحة هنا إلى توجيه الاهتمام نحو
تطوير الأساليب وتهيئة المناخ المناسب للحض على الإبداع ، بدلاً من العمل على
تحديد الإختصاصات وعزلها عن بعضها البعض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق