أطفالنا وفرص الحياة المتاحة
د. سُمية عيد الزعبوط
كنت في زيارة لأحدى
الأسر، تلبية لدعوتهم ، شاهدت أكثر من أسرة مدعوة ، وشاهدت مجموعة من الأطفال في
زاوية ما، يتبادلون كلمات غير مفهومة ، وبين لحظة وأخرى يُطلقون صراخاً وكأنه
صوتاً واحداً ، يبدو على بعضهم الفرح والسرور إذ يضحكون من خلال الصراخ، كنت
أراقبهم بعينٍ باحثة ، وإذ بي أرى طفلاً يصرخُ ويضرب الآخرين في نفس الوقت ، إنه
يضرب الأطفال على وجوههم ، ورؤوسهم، وبطونهم ، يقذفهم بالأحذية المترامية هنا
وهناك ، ويدفعهم للخلف ، فيتساقطون الواحد تلو الآخر، ويبكون، عندئذٍ جاءت الأم
مسرعة لتأخذ طفلها إنه لا يتجاوز الثالثة من العمر، وبدأت تضربه وتصرخ في وجهه ،
وجاء الأب ليكمل ما بدأته الأم.
هذا المشهد الذي شاهدته
يُمثل صورة واقعية تتكرر في مجتمعنا يومياً ، هذا المشهد لم يغب عن ذاكرتي إلاّ
سويعات قليلة ربما في الفترات التي أقضيها للصلاة....، وبعد مرور يوماً كاملاً على
رؤيتي للمشهد بدأت أدون ما رأيت، وأفسر وأرسم على الورق مشهد الأطفال ، وإذ بي
أرسم صورة للطفل العدواني المشاغب الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات من العمر ، - وأنا لا أجيد الرسم - ، لقد جعلت له رأساً
صغيراً وبطناً كبيراً ، ربما للدلالة على أنه لم يكتسب مهارات الذكاء العاطفي من
خلال أبويه وأسرته ، فهو يتصرف بعشوائية.
فالأسلوب الذي يتعامل
به الأهل مع أبنائهم سواء أكان ذلك من خلال التحكم القاسي أم التفاهم العاطفي، أم
من خلال التجاهل أم الاحتواء - كل ذلك
يُؤثر تأثيراً مستمراً وعميقاً على حياة الطفل العاطفية، وهذا ما جعل أحد العلماء
يُشبه الطفل بالاسفنجة ، إذ يمتص كل المعلومات وأدق المشاعر والتفاصيل من خلال
المحيطين به.
وفي ذات السياق، فإن
السنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل هي السنوات الحاسمة في تشكيل شخصيته وتكوين
عقلة ، إذ يبدأ العقل بالتشكل والنمو ليصل إلى ثلثي حجمه الطبيعي خلال السنوات
الثلاث الأولى من حياته، إذ يبلغ عقله أعلى مستويات التعقيد التي يُمكن أن يبلغها
طوال حياته.
فالطفل في هذه الفترة
التي يتشكل فيها دماغه (عقله) يكون أكثر مقدرة على اكتساب المهارات الأساسية
للذكاء العاطفي التي لا يتسنى له اكتسابها بنفس المقدرة في وقت فترات لاحقة من
حياته.
وما لاحظته من سلوكيات
أمهات الأطفال ، يُمكن صياغته على النحو الآتي:
§ تجاهل المشاعر:إن مثل هذه الأم تنظر إلى سلوكيات الطفل
باعتبارها أموراً ثانوية لا تستحق أن تلتفت إليها .
§ إظهار الاحتقار مع غياب مشاعر الاحترام : إن مثل هذه
الأم تنظر إلى سلوكيات أطفالها بقسوة
ومشاعر الغضب والرفض المستمر والنقد ، لذلك فهي تلجأ للعقاب الوسيلة الوحيدة
لديها.
§ إظهار التساهل باستمرار: إن مثل هذه الأم ، عادة ما تترك
طفلها يتعامل مع مشاعره كما يحلو له، دون أن تتدخل محاولة تلقينه السلوكيات
السليمة، بل ربما تلجأ لتقديم رشوة له كي يكف عن تصرفاته.
من هنا يُمكن أن تعمل
السلوكيات الخاطئة أمام الطفل التي تمر أمامه مروراً سريعاً إلى إعاقة مراكز
التعلم لديه ، فالأطفال الذين يُعانون من سوء المعاملة هم الأسوأ مقارنة بالآخرين،
بمعنى الأكثر قلقاً وشروداً والأكثر عدوانية وانسحاباً عن مجتمعهم الصغير الذي
يتواجدون فيه.
إن الطفل الذي يعجز عن
التركيز والانتباه ، الذي ينظر بعين الشك ، الحزين ، الغاضب، المدمر ، المنشغل
بخيال مرعب، إن مثل هذا الطفل سيجد صعوبة في الاستفادة من فرص الحياة مستقبلاً.
تحياتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي





ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق