تفسير القرأن الكريم , دروس ومواعظ دينية قرآن فلاش المصاحف الشهيرة لتختار منها المصحف الذي اعتدت التلاوة منه تجول فى مدينة القدس الشريف دليل المواقع الاخبارية , العالمية والمحلية راديو و إذاعة الاصول

الخميس، 27 أبريل 2017

واقع الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين/ الدكتورة سُمية الزعبوط

جامعة الإسراء                                        كلية الآداب وكلية العلوم التربوية
Isra University 
" واقع الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين"
Status of Autism Spectrum Disorders  from the Researchers’ Perspective"
الدكتورة: سُميّة عيد الزعبوط   alusool2013@gmail.com     +962780133282     ملخص البحث باللغة العربية
تناول البحث موضوع " واقع الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين"، وهدف إلى  الكشف عن طرق تشخيص الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين، وإلى تعرف أسباب الإصابة باضطراب طيف التوحد، وتعرف الأعراض الناجمة عن الإصابة به، وبالتالي رصد بعض الأساليب العلاجية المتبعة للحد من الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين، ولتحقيق أهداف البحث، تم اعتماد المنهج النوعي، وذلك باستعراض وتحليل ما توصلت إليه الدراسات والبحوث السابقة من معلومات وبيانات. وأظهرت أبرز النتائج الآتي:
1)   إن الإصابة باضطراب طيف التوحد هو نتيجة مجموعة من الأسباب المتداخلة فيما بينها ومجوعة من الأعراض الناجمة عن الإصابة به ؛ لذا يُعد هذا الاضطراب معقداً وشائكاً من خلال العوامل المسببة له والأعراض الناجمة عنه، من هنا فإن كل حالة  تُعد فريدة من نوعها، بالرغم من اشتراكها في نفس الاضطراب.
2)   تبين أن الأساليب العلاجية المتبعة للحد من اضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين هي:  التكامل الحسي (الدمج الحسي)، التفكير السريري، اللعب غير الموجه،المشاركة القرائية.
في ضوء ما تقدم من نتائج تمت الإشارة إلى أهم التوصيات
1) أن  تتضافر الجهود التربویة والنفسیة والطبية والصحیة والمهنية والبحثية والأسرية  في سبيل الوقوف على التشخيص الدقيق  لحالات اضطراب طيف التوحد.
2)   عمل دورات تدریبیة للأسرة الخاصة بهذه الفئة ؛ من أجل مدِّهم بأحدث الأسالیب في كیفیة تعدیل سلوكياتهم.
Abstract
This paper  addresses Status of Autism Spectrum Disorders  from the researchers’ perspective.  It aims to revealing methods of diagnosing the  Autism spectrum disorders  from the researchers’ perspective; identifying  its causes and effects, in addition to addressing the therapeutic methods followed to reduce this disease incidence from the researchers’ perspective.  To achieve the paper’s goals, the qualitative approach was used through  addressing and analyzing results of previous studies and research. The most significant results were as follows:
1.     The incidence of Autism Spectrum Disorder (ASD) refers to a set of integrated reasons and effects therefore  such disease is complicated and each case is unique in itself .
2.     Therapeutic methods followed to limit the Autism Spectrum Disorders  from the researchers’ perspective  were: sensory integration, clinical thinking, free play and  reading skills.
In light of the results, the paper recommended the following:
1.     The efforts of the educational, psychological, medical, health, professional , research and family should be joined to diagnose accurately the cases of Autism Spectrum Disorder.
2.     Organizing training courses to the families with autistic child to provide them with the latest methods in modifying their children’s behaviors.
مقدمــــــة:
يُعد الاهتمام باضطراب طيف التوحد ضمن الاهتمامات بفئات التربية الخاصة ، وذلك من خلال تداخل بعض الأعراض بين فئات التربية الخاصة، إذ تتداخل فيها عوامل بيئية ونفسية وجينية تضفي عليه نوعاً من الغموض؛ بسبب تعدد الأسماء والنظريات التي حاولت تفسير حدوثه، من هنا فهو مرض غامض يظهر من خلال  سلوك الطفل وطريقة النمو البيولوجي والعصبي والمعرفي واللغوي والنفسي والسلوكي والاجتماعي لديه.
ومن منطلق أن مرض التوحد يظهر من جوانب مختلفة، فقد تعددت مسمياته كذلك ، إلاّ أن " اضطراب طيف التوحد" هو من أحدث مسمياته؛ إذ أدرك الباحثون في هذا المجال أن أعراض التوحد تختلف بشكل كبير من طفل إلى آخر، لذا فإن  مصطلح " اضطراب طيف التوحد" يستخدم حالياً كبديل للعديد من المسميات السابقة مثل : التوحد، والتوحد النمطي أو الكلاسيكي، ومتلازمة كانر، ومتلازمة أسبرجر.
ولهذا فقد اعتُمِدَ مسمى " اضطراب طيف التوحد" في البحث الحالي؛ نظراً لأنه من أكثر المسميات تعبيراً عن التوحد، باعتبار أن كل حالة توحد هي حالة فريدة بحدّ ذاتها ، وتمتد حالات التوحد من الخفيفة إلى الشديدة، كذلك فإن المتعافين من التوحد قد يكونوا في أي مكان من هذا الطيف لذا فإذا كانت الحالة شديدة، فإن ذلك لا يعني استحالة الشفاء والعكس صحيح.
وللوقوف على واقع الإصابة باضطراب طيف التوحد، اعتمدت الباحثة وجهات نظر الباحثين حول معالجتهم لاضطراب طيف التوحد من خلال استعراض بعض البحوث والدراسات الخاصة بهم؛ الأمر الذي يجعل من البحث نافذة يطل من خلالها التربويون والمهتمون على عالم  اضطراب طيف التوحد ليرسم صورة واقعية ترصد تشخيص وأسباب وأعراض هذا المرض، فضلاً عن رصد بعض الأساليب العلاجية المتبعة للحد من الإصابة باضطراب طيف التوحد.
مشكلة البحث:
تكمن مشكلة البحث في عالمية الموضوع الذي يطرحه لاألا وهو اضطراب طيف التوحد الذي يواجه مجتمعات العالم كافة ؛ إذ أثار كثيراً من التساؤلات والاستفسارات عند اكتشافه منذ أكثر من خمسين عاماً حتى الآن، حول كيفية تشخيصه، وأسبابه، والأعراض الناجمة عن الإصابة به، كذلك السبل المتبعة للحد من الإصابة به.
وللإجابة عن هذه التساؤلات، بدأت المجتمعات العربية عامة والمجتمع الأردني خاصة بالاهتمام بهذا المرض ومحاولة رصد أسبابه وسماته وطرق التعامل معه عبر الندوات التعريفية، والمؤتمرات التي شارك فيها كثيرٌ من التربويين والمهتمين في هذا المجال ، وعائلات هؤلاء الأطفال تعبيراً عن معاناتهم وما يجدونه من قلة توفر الخدمات اللازمة للقيام باحتياجات هؤلاء الأطفال.
إلاّ أن هذه الجهود  افتقدت كثيراً من الدعائم الأساسية للنجاح في تشخيص اضطراب طيف التوحد، إذ  يصدر التشخيص من فئات غير متخصصة، لينتهي المطاف بعائلة الطفل إلى اليأس والإجهاد الفكري والنفسي، وذلك لغياب المؤسسات البحثية الرسمية حول اضطراب طيف التوحد ، وغياب المؤسسات المتخصصة بفئة الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، من هنا جاء هذا البحث ليرصد واقع الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين .
أسئلة البحث: لتوضيح مشكلة البحث ، يُمكن طرح الأسئلة الآتية:
1)     كيف يُمكن تشخيص الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين ؟
2)     ما أسباب الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين؟
3)     ما الأعراض الناجمة عن الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين ؟
4)    ما الأساليب العلاجية المتبعة للحد من الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين؟
أهداف البحث: للإجابة عن أسئلة البحث ، يُمكن طرح الأهداف الآتية:
1)الكشف عن طرق تشخيص الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين.
2) تعرف أسباب الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين.
3) تعرف الأعراض الناجمة عن الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين.
4) رصد بعض الأساليب العلاجية المتبعة للحد من الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين.
أهمية البحث: تتمثل أهمية البحث فيما يلي:
1) تناول البحث الحالي فئة من فئات ذوى الاحتیاجات الخاصة في مجتمعات مختلفة، وهي فئة لا يُستهان بها؛ كونها  بحاجة إلى مد يد العون والمساعدة ، وإن كان ذلك من خلال إجراء البحث والدراسة حولها.
2) أظهر البحث محاولةً لرصد الأساليب العلاجية المتبعة للحد من الإصابة  باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين، وذلك من خلال رصد واقع حالات فردية مصابة باضطراب طيف التوحد ، تم ترجمة نصوصها من قبل الباحثة ؛ الأمر الذي يُفضي تنوعاً مهماً في الطرح.
3) تناول البحث الحالي موضوعاً مهماً، ألا وهو واقع الإصابة باضطراب طيف التوحد الذي يعتبر أحد أهم تطلعات التربية الخاصة التي تسعى المجتمعات إلى تحقيقها.
4) يُؤمل أن يستفيد من هذا البحث الباحثون في هذا المجال؛ لإجراء دراسات ذات علاقة.
منهجية البحث: اعتمدت الباحثة المنهج النوعي؛ لمناسبته في تحقيق أهداف البحث الحالي والإجابة عن أسئلته، وفي ذلك أورد الدهري (2014) حول استخدام المنهج النوعي في العلوم التربوية والاجتماعية، إذ يُركز المنهج النوعي على وصف الظواهر والفهم العميق لها، وبذلك فهو يختلف عن المنهج الكمي الذي يركز عادة على التجريب وعلى الكشف عن السبب أو النتيجة بالاعتماد على المعطيات العددية، فالسؤال المطروح في البحث النوعي يهتم بالعملية والمعنى أكثر من اهتمامه بالسبب والنتيجة، ويُركز على تحليل البيانات؛ بمعنى أن الباحث يسلك مسلكاً استقرائياً بحيث ينتقل من البيانات إلى النظرية وليس من النظرية إلى تحليل البيانات.
وهذا ما أرادته الباحثة ، نظراً لتنامى قبول هذا التوجه في البحوث، خاصة في المجال التربوي، نتيجة لتضاؤل الثقة حول التوجه التقليدي الكمي في دراسة المشكلات التربوية والاجتماعية، إذ استعرضت الباحثة ما توصلت إليه الدراسات والبحوث السابقة من معلومات وبيانات ، ومن ثم انتقلت إلى ما هو مصطلح عليه في الواقع من خلال تحليل ما تم استعراضه في هذا الشأن.
حدود البحث: يقتصر البحث في إمكانية تعميم نتائجه في الالتزام بالحدود الآتية:
- الحدود الموضوعية: وتتمثل في تعرف واقع الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين.
- الحدود البشرية: وتتمثل في عدد الباحثين من خلال بحوثهم ودراساتهم ، البالغ عددهم (6).
- الحدود المكانية: وتتمثل في الأماكن التي طُبقت فيها البحوث والدراسات المعنية وهي (الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، الجزائر،السعودية ).
- الحدود الزمنية: وتتمثل بالفترة الزمنية لتطبيق البحث خلال شهريْ كانون أول، وكانون ثاني من عاميْ 2016م، و2017م.
مصطلحات البحث:
التوحد:  عرفت جمعية التوحد الأمريكية بأنه " نوع من الاضطرابات النمائية التطورية، الذي يظهر في السنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل، وينتج عن اضطرابات عصبية تؤثر في وظائف الدماغ، وتظهر على شكل مشكلات في عدة جوانب مثل : التفاعل الاجتماعي، والتواصل اللفظي وغير اللفظي، ونشاطات اللعب، إذ يستجيب الأطفال المصابون بالتوحد إلى الأشياء أكثر من استجابتهم إلى الأشخاص،  ويكررون حركات جسمانية أو مقاطع من الكلمات بطريقة آلية متكررة (الظاهر، 2009: 18).
اضطراب طيف التوحد: هو شذوذ في السلوك يشمل ثلاث نواحي أساسية من النمو والسلوك هي: خلل في التفاعل الاجتماعي، خلل في التواصل والنشاط التخيلي، قلة الملحوظة للأنشطة والاهتمامات والسلوك المتكرر آلياً (Abrahams & Geschwind, 2008: 345).
الأطفال التوحديين: هم الأطفال الذين يعانون من الانسحاب الشديد في المجتمع ، وفقدان التواصل، والفشل في تطوير العلاقات مع الآخرين ، والإعادة المملّة للأفعال ونطق الكلمات. (Tanner, & Lane,2015: 117 ).
الإطار النظري للبحث
انتشر اضطراب طيف التوحد المعروف بمرض التوحد بصورة كبيرة مؤخراً وفق ما جاء في التقرير الذي نشره معهد أبحاث التوحد والذي يشير إلى زيادة انتشاره بنسبة كبيرة، إذ يُشير التقرير إلى وجود (75) حالة اضطراب طيف التوحد  كل (10.000) طفل من عمر (5 – 11) عاماً، وتُعد هذه نسبة كبيرة عما كان معروف سابقاً  وهو (5 ) حالات في كل (10.000) طفل (Tipton,2014) .
ومع أن نسبة  وجوده بين الأطفال تُعد كبيرة ، إلاّ أن السبب الرئيس للمرض غير معروف، لكن هناك العوامل الوراثية والكيميائية والعضوية المسببة لوجوده بين الأطفال في أرجاء العالم بأسره، والجدير بالذكر أنه ليس جميع المصابين يكون مستوى ذكائهم منخفضاً، إذ أثبتت الإحصائيات حول العالم  أن ربع الحالات من الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد (التوحد) ذكاؤهم في المعدلات الطبيعيةGabrielle,  2015)).
استُعْمِل مصطلح التوحد لأول مرة من قبل الطبيب النفسي السويسري إيجن بلولر (Eugen Bleuler)، عام (1911م) ، ليصف به بعض الأطفال المنعزلين عن العالم الخارجي والمنسحبين عن الحياة الاجتماعية، وفي عام (1943م) نشر الدكتور ليو كانر ورقته المشهورة عن التوحد ليكون بذلك أول من ذكره كاضطراب محدد في العصر الحديث، وفي عام (1944م) نشر الدكتور هانز اسبرجر (Hans Asperger ) من فيينا ورقته الشهيرة التي تصف حالة للتوحد ، إذ عُرفت فيما بعد بمتلازمة اسبيرجر  (محمد، 2000).
واكتشف الدكتور برنارد ريملاند (Bernard Rimland) في عام (1964م) أدلة تُؤكد أن التوحد يُمثل حالة بيولوجية ، وفي عام (1966م) اكتشف الدكتور أندرياس رت (Andreas) دليلاً آخر يُؤكد أن التوحد يُمثل حالة بيولوجية، وقد عُرِف اكتشافه بمتلازمة رت (Rett Syndrome)، ونشر كل من مايكل روتر والدكتورة كاترين لورد أول استبيان لتشخيص التوحد وذلك في عام (1991م) (خليدة وفايزة، 2013).
ونشرت جمعية الطب النفسي الأمريكية في عام (1992م) الدليل التشخيصي الإحصائي لتشخيص اضطراب التوحد، وفي عام (1993م) أصدرت منظمة الصحة العالمية دليلاً مشابهاً لدليل جمعية الطب النفسي الأمريكية عُرِفَ بالتصنيف الدولي للأمراض، وصُنّف التوحد من قبل منظمة الصحة العالمية ضمن فئة الاضطرابات النمائية، وفي عام (1994م) تم تأسيس الاتحاد الدولي لأبحاث التوحد في الولايات المتحدة الأمريكية، ليصبح أول منظمة تختص بتمويل البحوث الطبية الخاصة بالتوحد تحت مسمى اضطراب طيف التوحد Autism Spectrum Disorder (ASD) (Cermak & Bandini ,2010).
مفهوم اضطراب طيف التوحد (التوحد):
يُشير مفهوم اضطراب طيف التوحد إلى مصطلح التوحد أو الاجترار أو الذاتية ، وهي مصطلحات تستخدم في وصف حالة  إعاقة من إعاقات النمو الشاملة وهو نوع من الإعاقات التطورية سببها خلل وظيفي في الجهاز العصبي المركزي (المخ) يتميز بقصور في الإدراك الحسي واللغوي، وبالتالي يتميز بقصور في المقدرة على التواصل والتخاطب والتعلم والتفاعل الاجتماعي، ويصاحب هذه الأعراض نزعة انطوائية تعزل الطفل الذي يعانى منها عن الوسط المحيط به، بحيث يعيش منغلقاً على نفسه لا يكاد يحس بما حوله و ما يحيط به من أفراد أو أحداث أو ظواهر و يصاحبه أيضاً اندماج في حركات نمطية أو ثورات غضب كرد فعل لأي تغيير في الروتين" (محمد، 2001: 9). ويُعرفه بعض المهتمين بأنه : " إعاقة نمائية ينتج عنه اضطراب أو قصور في التفاعل الاجتماعي والتواصل والتخيل" (سلمان، 2000: 13). ويعرفه آخرون بأنه: " عبارة عن مشكلات واضحة في اللغة مثل: تأخر نمو أو الغياب التام للكلام، أو الترديد الصوتي الآلي؛ إذ يميل ذوي اضطراب طيف التوحد منذ مرحلة المهد إلى الانعزال والانكفاء التام على الذات والعيش في حدود الذات أو التشرنق حول الذات، فضلاً عن الإتيان بسلوكيات نمطية شاذة متكررة "  Monroe, 2009  : 4)).
وبصفة عامة يُمكن القول إن اضطراب طيف التوحد يُشير إلى خلل شديد في عمليات النمو النفسي الذي يُفضي إلى الخلل النفسي الوظيفي في كثير من مجالات النمو : كالنمو اللغوي، والنمو المعرفي، والنمو الاجتماعي، الأمر الذي يُؤدي إلى اتساع الفجوة بين الأطفال المصابين به وأقرانهم العاديين مع التقدم بالعمر.
النظريات المفسرة للتوحد: يُمكن إجمال النظريات التي فسرت اضطراب طيف التوحد على النحو الآتي:
نظرية التحليل النفسي: تُشير نظرية التحليل النفسي لـ فرويد إلى أن اضطراب طيف التوحد ينتج من التربية الخاطئة خلال مراحل النمو الأولى من عمر الطفل؛ الأمر الذي يُؤدي إلى اضطرابات ذهنية كثيرة لدى الطفل، ويرى بعض العلماء النفساويين أن أسباب الإصابة بهذا المرض إنما ترجع إلى أساليب التنشئة الوالدية الخاطئة ؛ إذ إن أسلوب التنشئة يُسهم في حدوث اضطراب نفسي ( الظاهر، 2009).
 ومن جانب آخر فقد رفض بعض العلماء النفساويين هذه التوجهات ، وأشاروا إلى أن اضطراب طيف التوحد عاملٌ مستقل عن الآباء والأمهات، ولا يرتبط بوجود الأم أو غيابها، وأن خبرات الطفل خلال مراحل حياته لا تسبب المرض، وأنه ليس كل آباء الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد تنقصهم المقدرة على حب أطفالهم (خليدة وفايزة، 2013).
نظرية البرود العاطفي:  من وراد هذه النظرية هو العالم ليو كانر؛ إذ ترى هذه النظرية أن العلاقات المرضية داخل الأسرة تُؤدي إلى وجود خلل ما في تكوين الطفل  لنماذج الانفعالات التي يبديها الآخرون، بالإضافة إلى أنه لا تتكون لديه قاعدة نمو اللغة والمهارات الحركية؛ ما ينتج عن ذلك أن ينسحب الطفل داخل عالم من الخيالات ومن ثم حدوث اضطراب طيف التوحد ( يحيى، 2000).
نظرية العقل: تُشير هذه النظرية إلى صعوبة في مقدرة الأطفال التوحديين على الاستنتاج ، وصعوبة في تصور وتخيل الشعور لدى الآخرين؛ ما يقود إلى ضعف في مهارات التقمص العاطفي (محمد 2000).
نظرية المقاربة البيولوجية: ترى هذه النظرية أن اضطراب طيف التوحد يرجع إلى مشكلة بيولوجية وليست نفسية، فهي تُشير إلى أن هناك حالات عالية التعقيد في مرحلة ما قبل الولادة لدى الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، مثل: نزيف الأم أثناء الحمل، تناول الأم للعقاقير أثناء الحمل ، الإصابة بالحصبة الألمانية، إضافة إلى الولادة المبكرة ونقص الأوكسجين أثناء الولادة الذي يُؤدي إلى الإصابة بصعوبات بصرية حادة وتلف دماغي واضطرابات توحديّة(Gabrielle ,2015).
وتُؤكد النظرية على وجود ارتباط بين كروموسوم " إكس الهش"  الذي يُؤدي إلى التخلف العقلي، واضطراب طيف التوحد، وترى النظرية أن حوالي (2% - 4% ) من أشقاء الأطفال التوحديين يصابون باضطراب طيف التوحد بمعدل 50 مرة أكثر من عامة الأطفال، وأوضحت بعض البحوث حول هذه النظرية أن اضطراب طيف التوحد يحدث بمعدل (96%) في التوائم المتماثلة، ويحدث بمعدل (27%)  في التوائم غير المتماثلة، كما أوضحت أن انتشار هذا المرض  بين أطفال ولدوا لأخوة يُعانون من اضطراب طيف التوحد يزيد (210) ضعفاً عن انتشاره بين أطفال المجتمع بشكل عام، الأمر الذي يُؤكد احتمال ولادة أطفال توحديين أكثر بكثير عندما يكون لهم أخوة توحديين (الخفش، 2003).
من هنا يُمكن القول أن العوامل المرتبطة بالجينات لها دور مهم في حدوث اضطراب طيف التوحد، إلاّ إنها لا تمتلك  المسؤولية الكاملة على حدوثه.
نظرية النوروعصبية:  ترى هذه النظرية أن حدوث اضطراب طيف التوحد قد يكون نتيجة وجود بيبتايد (Peptide) خارجي المنشأ عن طريق الغذاء يُؤثر على النقل العصبي بشكل مباشر أو من خلال تأثيره على البيتايدات الموجودة والفاعلة في الجهاز العصبي للطفل؛ وتتكون هذه البيتايدات عند حدوث التحلل غير الكامل لبعض الأغذية المحتوية على الجلاتين أو القمح أو الشعير أو الشوفان، أو الكازين الموجود في الحليب ومنتجات الألبان؛ ما يُؤدي إلى خلل في الجهاز العصبي المركزي فيحدث قصوراً واضطراباً في الوظائف الفسيولوجية والكهربائية ، وبالتالي يُحدث خللاً واضطراباً في تلك الوظائف (محمد 2001).
نظرية التسمم بالمعادن: تستند هذه النظرية إلى أن التسمم بالمعادن الثقيلة مثل: الرصاص والزئبق يُسبب خللاً في الدماغ خاصةً حين يكون الدماغ في مراحل النمو الأولى كما عند الأطفال، فضلاً عن أن بعض الفيروسات يُمكن أن تنتقل عن طريق العدوى إلى الطفل وهو لا يزال في رحم أمه، إذ يكون عن الحد الأدنى له من إحداث الإصابة، فعندما يولد الطفل يكون سوياً، ثم ينشط عن طريق ضغوط الحياة الطبيعية Gabrielle ,2015)).
بناء على ذلك، يُمكن القول أن هذه النظرية تُعطي تفسيراً مقبولاً لكثير من الأسباب والأعراض، إذ إن الفيروس يُمكن أن يُصيب الجنين وهو في رحم أمه بشكلٍ بسيط، وعند الولادة يظهر الطفل طبيعياً،  إلاّ إن الفيروس يكون كامناً في الطفل ، لينشط بعد ذلك.


نتائج البحث
تتضمن نتائج البحث الحالي الإجابة عن أسئلته على النحو الآتي:
الإجابة عن السؤال الأول: كيف يُمكن تشخيص الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين؟
شخّصت جوسيفي Josefi (2014) من جامعة يورك في المملكة المتحدة ، اضطراب طيف التوحد، من خلال دراستها :" العلاج باللعب غير الموجه للأطفال اليافعين المصابين باضطراب طيف التوحد" ، حيث قامت بدراسة حالة الطفل جون المصاب باضطراب طيف التوحد ، إذ يبلغ من العمر 6 سنوات، واعتمدت في تشخيصها للحالة الملاحظة عن طريق زيارتها لأسرة جون، ولمدرسته، وعن طريق جمع المعلومات من والدة الطفل جون، ومن الطبيب المعالج.
كذلك شخص غابرييل Gabrielle (2015) من جامعة ميشغان الغربية في أمريكا حالة الطفل ميكي، أحد الأطفال المصابين بالتوحد،البالغ من العمر (8) سنوات من خلال دراسته الموسومة بـ " اضطراب طيف التوحد: دراسة حالة ميكي" ، إذ تعرض الطفل ميكي لتشخيص اضطراب طيف التوحد وهو في الرابعة من العمر من قبل طبيب الأطفال الذي  أكد أنه يُعاني من صعوبة الحفاظ على التفاعلات الاجتماعية، ولديه صعوبة تتمثل بالانخراط في اللعب مع الآخرين، ولتقييم حالة ميكي أُجريت له ثلاث زيارات منزلية من قبل الباحث وأخصائي العلاج الطبيعي؛ لمراقبته في صباح يومي عطلة نهاية الأسبوع، وكذلك في صباح  ومساء اليوم الدراسي.
الإجابة عن السؤال الثاني: ما أسباب اضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين؟
للإجابة عن هذا السؤال ذكر الباحثان خليدة وفايزة (2013) في يوم دراسي عن التوحد من خلال ورقة بحثية عنوانها "المقاربات النظرية للتوحد " ، بعض الأسباب التي تُؤدي إلى الإصابة باضطراب طيف التوحد وهي: التربية الخاطئة خلال مراحل النمو الأولى من عمر الطفل، المشاكل البيولوجية كالإصابة بالحصبة ، أو ارتفاع درجة حرارة الجسم، أو العوامل الجينية، أو اللقاحات التي تُعطى للأطفال، خاصةً اللقاح الثلاثي الفيروسي، إذ يُوافق توقيت أخذ اللقاح الثلاثي  في بلوغ العام الأول من العمر مع بداية التقدم في المقدرة الكلامية للطفل.
وفي ذات السياق ركزت تمبل (2000) في دراسة عنوانها: العمل مع الأطفال ذوي اضطراب التوحد وغيره من الاضطرابات الاجتماعية والتواصلية الأخرى"  إن وجود خلل بنائي ووظيفي في المخ ، بحيث يُؤدي إلى تلف في مناطق معينة من الجهاز العصبي من الأسباب التي تُؤدي إلى اضطراب طيف التوحد.
كذلك أكدت الورقة البحثية " التوحد: التشخيص والعلاج في ضوء النظريات" (2015)،  أنه لم تثبت أسباب محددة تماماً  للإصابة باضطراب طيف التوحد، إنما هي مجموعة من العوامل الكيميائية والوراثية والعضوية، التي لا يزال البحث عنها مستمراً في  كثير من البحوث والدراسات الحديثة، إذ كان الاعتقاد السائد لسنوات عديدة خلت، أن سبب اضطراب طيف التوحد يتمثل في خطأ العلاقة بين الأم والطفل، أما الآن فقد بدا واضحاً أن أسباب التوحد بيولوجية وليست نفسية مثل الحصبة الألمانية أو الحرارة العالية المؤثرة أثناء الحمل، أو وجود كروموسومات تحمل جينات معينة أو تلفاً بالدماغ إما أثناء الحمل، أو أثناء الولادة لأي سبب مثل نقص الأكسجين " الولادة المتعسرة " مما يؤثر على الجسم والدماغ ، أما الحقيقة فما زالت غامضة حتى الآن.
الإجابة عن السؤال الثالث: ما الأعراض الناجمة عن الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين ؟
أظهرت الباحثة جوسيفي (2014) من جامعة يورك في المملكة المتحدة ، أن الطفل جون المصاب باضطراب طيف التوحد يُعاني من نوبات صراخ  ومن نوبات غضب أحياناً، ويعاني من مشاكل في اللغة والتخاطب، بالإضافة إلى مشاكل سلوكية فهو لا يشارك في اللعب سواء مع شقيقيْه أم أقرانه في المدرسة، ويقوم بحركات غير ذات معنى كأن يُصفق بيديه .
وأشار غابرييل (2015) من جامعة ميشغان الغربية في أمريكا إلى أن الطفل ميكي المصاب باضطراب طيف التوحد لا يستجيب للأصوات العالية كصوت الخلاط في المنزل أو صوت بكاء أخته، كذلك تبين أن ميكي يجد صعوبة في الاستيقاظ صباحاً كي يستعد للمدرسة، ويجد صعوبة في التفاعل مع أقرانه في المدرسة، كما أظهر التشخيص أنه يعاني من متاعب في النوم خلال الليل، وأنه يبدو في كثير من الأحيان مرهقاً ، ويعاني من قلة مقدرته على القيلولة خلال النهار، وقد لوحظ أنه يتحرك  بشكل غير متوازن ؛ مما يدل على ضعف التنسيق الحركي لديه ، ما يعكس ضعف مقدرته على المشاركة في اللعب التفاعلي مع شقيقته، وعندما سئل لتبادل اللعب معها، تجاهل الطلب ولم يُجب، وعندما لوحظ أثناء اللعب، كان ميكي منشغلاً مع لعبته الخاصة  بشكلٍ متكرر.
وفي ورقة بحثية عنوانها: " التوحد التشخيص والعلاج في ضوء النظريات" (2015)، أظهرت الأعراض الناجمة عن الإصابة باضطراب طيف التوحد التي تتمثل بوجود خلل في التواصل والمهارات اللفظية وغير اللفظية، فقد تغيب اللغة كلياً،  وقد تنمو ولكن دون نضج وبتركيب لغوى ركيك مع ترديد الكلام مثل إعادة آخر كلمة من الجملة التى سمعها والاستعمال الخاطئ للضمائر حيث يستعمل الطفل ضمير" أنت" عندما يود أن يقول "أنا" فمثلا لا يقول " أنا أريد أن أشرب " بل يستعمل اسمه فيقول "علي يريد أن يشرب " ، وتتمثل الأعراض أيضاً في ضعف العلاقات الاجتماعية مع أمه وأبيه، وأهله والغرباء،  بمعنى أن الطفل لا يسلم على أحد، لا يفرح عندما يرى أمه أو أبوه، ولا ينظر إلى الشخص الذي يكلمه، ولا يستمتع بوجود الآخرين ولا يشاركهم، كذلك لا يستطيع التعبير عن الألم، ولديه تعلق غير طبيعي بالأشياء، وفقدان الخيال والإبداع في طريقة لعبه.
وركزت دراسة خليدة وفايزة  (2013) على مقدرة الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد  في المهارات الحركية الكبرى مثل التسلق والتوازن ربما تفوق المعايير النمائية، بينما قد يوجد تأخر دال في نمو المهارات الحركية الدقيقة مثل مسك القلم أو الملعقة، أو قد يكون العكس صحيح لدى بعض الحالات ؛ إذ قد تكون المقدرة على الرسم دقيقة ومتميزة جداَ ، أو المقدرة على إكمال المتاهات قد تكون متقدمة بصورة ملفتة للنظر، على الرغم من وجود تأخر نمائي شديد في المهارات  الحركية الكبرى.
الإجابة عن السؤال الرابع: ما الأساليب العلاجية المتبعة للحد من الإصابة باضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين؟
للإجابة عن هذا السؤال ، قررت الباحثة  أوريت جوسيفي من جامعة يورك في المملكة المتحدة ، من خلال دراستها المذكورة سابقاً أن الأسلوب العلاجي المناسب لحالة جون هو: أسلوب اللعب غير الموجه، من هنا فقد بدأت الباحثة بمساعدة الأم في تجهيز غرفة اللعب بتزويدها بالملصقات ومواد تلوين الوجوه، وبعض الآلات الموسيقية، وكرات متعددة الألوان ، ونموذج مزرعة، ومجسمات لسيارات وهواتف وحيوانات وعدد قليل من الكتب، وبدأ الطفل جون يدخل غرفة اللعب غير الموجه ويُمارس ألعابه وفق البرنامج المعد له، ويتمثل دور الباحثة بالمراقبة والإرشاد ، إذ كانت تراقب تصرفاته من خلال كاميرا شبه ثابتة أُعدت لهذا الغرض ، وفي بداية الجلسة قضى جون معظم الوقت واقفاً في الجانب الآخر من الباحثة لا يتحرك، بل ينظر من النافذة ، ومن ثم بدأ الحد الأدنى من التواصل البصري بينه وبين مكونات الغرفة ، وفي نهاية الجلسة أمضى بعض الوقت على مقربة من الباحثة .
وهكذا تقدم التواصل في الجلسات الأخرى إذ ازداد التواصل مع الباحثة من خلال بعض الكلمات والاتصال الجسدي ؛ إذ بدأ يجلس في حجر الباحثة، وبعد انتهاء ال16 جلسة من برنامج اللعب غير الموجه الذي مارسه جون، ذهب جون مع والدية وشقيقيْه إلى حديقة عامة، وبينما كان الأخوة يلعبون بالكرة ، وإذ بالكرة تسقط في بركة الماء، أسرع شقيقه لتناول الكرة لكنه لم يُفلح في التقاط الكرة ، إذ سقط في ماء البركة ، حاول الوالد التقاط الكرة والإمساك بشقيق جون ، بينما جون يتتبع والده ، وفجأة تحرك جون وامتدت يداه إلى أخيه وساعده في الصعود،  لتكتمل الدهشة من قبل الوالديْن.
وأظهرت النتائج ما يلي:
§  زيادة في الاستقلالية  على مدار العلاج ، إذ أصبح جون أكثر مقدرة واستعداداً للقيام بعملٍ ما بنفسه دون الحاجة للمساعدة من أحد، فمن المرجح أن العلاج باللعب غير الموجه كان حافزاً لجون في تطوير الاستقلالية والمبادرة لديه.
§  زيادة عدد الأنشطة وتنوعها ؛ بالرغم من أن جون لعب في نفس النشاط خلال الجلستيْن الأوليتيْن، إلاّ إنه في الجلسات الست الأخيرة لعب في أنشطة كثيرة ومتنوعة .
واتبع غابرييل (2015)، من جامعة ميشغان الغربية أسلوب التكامل الحسي بوصفه أسلوباً علاجياً لحالة الطفل ميكي المصاب باضطراب طيف التوحد، حيث وضع المدرب كرة على أرجوحة ميكي، ووضع طوق كرة السلة في مكان قريب من الأرجوحة ، وبتشجيع ميكي الذي جلس على الأرجوحة ورمى الكرة لتدخل في طوق كرة السلة، ومع تكرار عدد المرات ومن خلال إبطاء القوة اللازمة لرمي الكرة وإجراء بعض التعديلات والتغييرات ، فقد مارس ميكي استجابة التوازن له من خلال هذه التغييرات وبذلك فقد حقق تطوراً ملحوظاً في عمليات التوازن والإدراك،  واختبار مقدرته  على التفاعل مع المؤثرات الحسية ، ويُوجه هذا النوع من العلاج مباشرة  لتحسين مقدرة المؤثرات الحسية والعمل سوياً ليكون رد الفعل مناسباً .
كذلك أُخضع ميكي لنموذج التفكير السريري وممارسته في المنزل، عن طريق الاختيار العشوائي للموسيقى، وصوت أمه، وأبيه، وشقيقته، وأصوات الطيور التي تصاحبها موسيقى ذات ترددات عالية ومنخفضة،  بحيث يستخدمها ميكي باستخدام سماعات الأذن ، ومن ثم ملاحظة تجاوبه معها، إذ لوحظ أن هذه الطريقة قد أدت إلى انخفاض الحساسية للصوت لدى ميكي ، مع تنامي مقدرته على الكلام ، والتفاعل مع أقرانه في المدرسة ، وتحسن سلوكه الاجتماعي.
ومن أجل زيادة التعديل الحسي والتنسيق الحركي تعرض ميكي لدورة تدريبية في التسلق خارج المنزل، لتسهيل المشاركة في المهن الاجتماعية، خلال المراحل الأولى من التدريب ، كان يظهر على ميكي الإجهاد والتعب، وقد تم علاج ذلك بتقصير مسافة التسلق والمدة الزمنية ، إذ استغرق التدريب مرتين في الأسبوع ولمدة 12  أسبوعاً، وتعرض ميكي للعلاج عن طريق برنامج ركوب الخيل كواحد من برامج تدريب المهارات الاجتماعية المستندة إلى التدريب القائم على المهارات الاجتماعية، إذ مارسه ميكي 45 دقيقة في الأسبوع،  لمدة 12 أسبوعاً ، وقد أظهرت ممارسة ميكي لركوب الخيل انخفاضاً في سلوكيات اضطراب طيف التوحد لديه ، وزيادة استخدامه للمهارات الاجتماعية، وبذلك أشار الباحث إلى أهمية التكامل الحسي بالنسبة للمصابين باضطراب طيف التوحد ، إذ ينبغي أن يكون العلاج بالتكامل الحسي مرافقاً للأساليب العلاجية الأخرى.
وتناولت تبتون (Tipton) (2014) من خلال أطروحتها بجامعة كاليفورنيا في أمريكا وعنوانها: " دور مشاركة الأم لنشاط القراءة في تحسين التواصل الاجتماعي  للطفل المصاب بالتوحد"، إذ تم مشاركة الأمهات  أطفالهن المصابين باضطراب طيف التوحد من خلال قراءة القصص تبعاً لاحتياجات الأطفال، وتبين أن أسلوب قراءة القصص من قبل الأم قد وفر أربعة عوامل أسهمت في الحد من أعراض التوحد وهي:
§  توفير تدخل محتمل في المستقبل عن طريق تحليل خطوات التدريس المختلفة ، بحيث تُمكن أولياء الأمور من استخدام القراءة مع الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، الذين قد يحتاجون مزيداً من التوجيه بوتيرة أكثر فردية .
§  استهداف المهارات المفاهيمية  من خلال دمج التعليم، والتطلع إلى ردود فعل الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد لفهم القصة المقروءة عليهم .
§  تعزيز مقدرة الطفل المصاب باضطراب طيف التوحد على ممارسة مهارات الاتصال  والمهارات الاجتماعية، مع الوالديْن  أثناء مشاركتهم في قراءة القصص.
§  توسيع إدارك الطفل المصاب باضطراب طيف التوحد ، إذ تُسهم قراءة القصص من قبل الأمهات في ممارسة عمليات التوضيح والشرح والتدريس وبالتالي تمكين الطفل من الحصول على مزيد من اللغة.
 من هنا فقد أشارت الباحثة إلى أهمية تثقيف أولياء الأمور من الآباء والأمهات ، إذ أثبتت الدراسة أن الأمهات المتعلمات اللواتي يُمارسن مشاركة القراءة لأطفالهن المصابين باضطراب طيف التوحد كن أكثر إيجابية في سياق تعليم منظم، بغض النظر عن الحالة المتأخرة للطفل .
لذلك وفرت الحكومة الأمريكية في كاليفورنيا دعماً اقتصادياً لأسر الأطفال المصابين بالتوحد ما يعادل 50،000 $ للأسرة الواحدة ، وعلى ضوء هذا الدعم حازت  71% من  أمهات المصابين بالتوحد على شهادة جامعية لمدة أربع سنوات ، الأمر الذي أدى إلى إجراء تعديلات في السلوك المتبع أثناء نشاط القراءة إذ أصبحت الأمهات يقدمن العظة والدرس المستفاد من القصة خلال قراءة النشاط كوسيلة لجعل الفروق الاجتماعية أكثر وضوحاً.
المناقشة:
لعل عملية تشخيص اضطراب طيف التوحد من  أصعب العمليات  وأكثرها تعقيداً، خاصة في الدول العربية، حيث يقل عدد الأشخاص المهيئين بطريقة علمية لتشخيص اضطراب طيف التوحد، ما يؤدي إلى وجود خطأ في التشخيص، أو إلى تجاهل التوحد في المراحل المبكرة من حياة الطفل، الأمر الذي يُشير إلى صعوبة التدخل في أوقات لاحقة؛ إذ لا يمكن تشخيص الطفل دون وجود ملاحظة دقيقة لسلوك الطفل، ولمهارات التواصل لديه، ومقارنة ذلك بالمستويات المعتادة من النمو والتطور، ولكن ما يزيد من صعوبة التشخيص، أن كثيراً من سلوكيات اضطراب طيف التوحد يوجد في اضطرابات أخرى لذوي الاحتياجات الخاصة .
وفي ذات السياق، يُمكن القول من خلال ما تم استعراضه من عوامل مسببة لهذا المرض ومن أعراض ناجمة عنه، إن الإصابة باضطراب طيف التوحد هو نتيجة مجموعة من الأسباب المتداخلة فيما بينها ومجوعة من الأعراض الناجمة عن الإصابة به ؛ لذا يُعد هذا الاضطراب معقداً وشائكاً من خلال العوامل المسببة له والأعراض الناجمة عنه، من هنا فإن كل حالة  تُعد فريدة من نوعها ، بالرغم من اشتراكها في نفس الاضطراب ، من هنا ينبغي تضافر جهود فريق كامل من ذوي التخصصات المختلفة مثل: طبيب أعصاب ، أخصائي نفسي، أخصائي تغذية، أخصائي لغة وأمراض نطق، طبيب أطفال متخصص في النمو، أخصائي علاج مهني، أخصائي تعليم، أخصائي ذوي الإعاقات الخاصة، أسرة الطفل التوحدي (الأم) ، معلم المدرسة، وتأكيداً على ذلك لوحظ أن هناك اختلافاً في طرح البحوث والدراسات بين الطرح الغربي المتقدم والطرح العربي المتواضع، إذ لوحظ من خلال الدراسات الأجنبية الحديثة المتعلقة بحالات اضطراب طيف التوحد التي تم ترجمتها، أن الباحثين يستعينون بأم الطفل المصاب ، والطبيب المعالج ومدرسته، وما إلى ذلك؛ للوصول إلى طبيعة تشخيص معقولة، بينما تعتمد الدراسات والبحوث العربية برامج أجنبية أُعدت لهذا الغرض منذ سنوات خلت وتطبيقها والخروج بنتيجة قبل وبعد التطبيق.  
كذلك يُمكن إضافة إن لكل طفل من الأطفال التوحديين مفتاح خاص  بشخصيته، ومعرفة هذا  المفتاح هو جواز الدخول لعالم هذا الطفل؛ للتمكن من تعليمه بشكل أفضل، ويمكن معرفة مفتاح الطفل عن طريق الاختصاصي المتعامل مع الطفل، وملاحظة أكثر الأشياء التي يستجيب لها الطفل ويحبها، فلكل طفل متوحد عالم خاص به يعيش فيه، وكأنه قوقعة مغلقة عليه، ومفتاح شخصيته هو: من  فتح الباب الذي يُمكِّن من الدخول إلى شخصيته أو عالمه الخاص.
وهنا يُمكن التأكيد  على ضرورة استمرار كل أب وأم في تعليم طفلهم التوحدي، حتى وإن لم يجدوا منه استجابة أو تفاعلاً قريباً ، فلا شيء يضيع، فهؤلاء الأطفال يقومون بتخزين كل شيء يتلقونه أو يتعلمونه في ذاكرتهم، ويحدث عندهم ما يسمى بالتعلم التراكمي أو المعرفة التراكمية ، الأمر الذي يجعله يخرج ما تعلمه في وقت لا يعلمه أحد، على نحو قد يثير الدهشة.
 وهذا ما حصل للطفل جون بعد أن أنهى ممارسة 16 جلسة من برنامج اللعب غير الموجه الذي أعدته الباحثة جوسيفي من جامعة يورك في المملكة المتحدة، وإذ به يُسرع لينقذ شقيقه ويساعده في الصعود من بركة الماء أمام علامات الدهشة والاستغراب من قبل الوالديْن.
 وما حصل مع الطفل ميكي المصاب باضطراب طيف التوحد ، إذ أظهر عجزاً في ممارسة المهارات الاجتماعية ، وحين تم إخضاعه لنموذج التفكير السريري في المنزل، عن طريق الاختيار العشوائي لموسيقى، وصوت أمه، وأبيه، وشقيقته، وأصوات الطيور تصاحبها موسيقى ذات ترددات عالية ومنخفضة ،  بحيث يستخدمها ميكي باستخدام سماعات الأذن ، ومن ثم ملاحظة تجاوبه معها، إذ لوحظ أن هذه الطريقة قد أدت إلى انخفاض الحساسية للصوت لدى ميكي ، مع تنامي مقدرته على الكلام ، والتفاعل مع أقرانه في المدرسة ، وتحسن سلوكه الاجتماعي.
 كذلك أظهرت الباحثة تبتون (Tipton) بجامعة كاليفورنيا أن مشاركة الأمهات لكتاب القراءة للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، من خلال قراءة القصص لأطفالهن ومن خلال ممارسة الشرح والتعليم وتقديم العظة والدروس المستفادة والتوجيه، قد أسهم في تعزيز مقدرة الطفل المصاب بالتوحد على ممارسة مهارات الاتصال  والمهارات الاجتماعية مع الوالديْن  أثناء مشاركتهم في قراءة القصص، إذ أثبتت الدراسة أن الأمهات المتعلمات اللواتي يُمارسن مشاركة القراءة لأطفالهن التوحديين، كن أكثر إيجابية في سياق تعليم منظم، بغض النظر عن الحالة المتأخرة للطفل .
استناداً على ما تقدم يُمكن القول أن الأساليب العلاجية المتبعة للحد من اضطراب طيف التوحد من وجهة نظر الباحثين في البحث الحالي، يُمكن إجمالها بالآتي:
vأسلوب التكامل الحسي (الدمج الحسي).
vأسلوب التفكير السريري.
vأسلوب اللعب غير الموجه.
vأسلوب المشاركة القرائية.
التوصيات:
في ضوء نتائج البحث ، يُمكن طرح التوصيات على النحو الآتي:
1)  أن  تتضافر الجهود التربویة والنفسیة والطبية والصحیة والمهنية والبحثية والأسرية  في سبيل الوقوف على التشخيص الدقيق  لحالات اضطراب طيف التوحد.
2)     عمل دورات تدریبیة للأسرة الخاصة بهذه الفئة؛من أجل مدِّهم بأحدث الأسالیب في كیفیة تعدیل سلوكیاتهم.
3)  ضرورة الاهتمام بفئة التوحدیین وإنشاء فصول خاصة بهم، وعمل برامج خاصة لهم واستراتیجیات تعلیمیة وتربویة على أسس علمیة وموضوعیة،  تراعي هؤلاء الأطفال وسمات شخصیاتهم ، وتتیح لهم فرص نمو طبیعي.
4)  إن تعبير ذوي اضطراب التوحد عن المعرفة ربما لا يتساوى مع ما يعرفونه بالفعل، وعليه ينبغي استخدام أساليب مختلفة ومتعددة في التعليم وقياس مدى فهمهم.
5)     إعداد كوادر خاصة مؤهلة للعمل مع الأطفال التوحدیین.
6)     إجراء دورات تدریبیة متخصصة للعاملین مع الأطفال التوحدیین.



               


قائمة المراجع والمصادر

المراجع باللغة العربية

جراندين، تمبل (2000) ، "العمل مع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد وغيره من الاضطرابات الاجتماعية والتوصلية الأخرى  " ، ترجمة د.  محمد السعيد أبو حلاوة، كلية التربية بدمنهور، جامعة الإسكندرية.
الخفش، سهام رياض (2003)، " أثر برنامج تدريبي في معالجة مشكلات النوم عند الأطفال ذوي اضطراب التوحد، المجلة الدولية التربوية المتخصصة، 2 (10)، ص ص 211 – 235.
خليدة، مليوح و فايزة، حلاسة (2013)، " المقاربات النظرية للتوحد " ، يوم دراسي عن التوحد، جامعة محمد خيضر قطب شتمة: بسكرة، الجزائر.
- الدهري، ياسر عبد الرحمن (2014)، "منهج البحث النوعي " ، تم استرجاع المعلومات عن الموقع الإلكتروني بتاريخ 5/1/2017م، متوفر: http://qualitativeresearchmethodology.blogspot.com/2014/07
 سلمان، عبد الرحمن سيد (2000)، " الذاتوية"، القاهرة: دار زهراء الشرق للنشر والتوزيع.
الظاهر، قحطان أحمد (2009)، " التوحد " ، عمّان: دار وائل للنشر والتوزيع.
محمد، عادل عبد الله (2000)، " مقياس الطفل التوحدي" ، القاهرة: القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية للنشر والتوزيع.
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ، (2001)،" الأطفال التوحديون: دراسات تشخيصية وبرامجية " ، القاهرة: دار الرشاد للنشر والتوزيع.
ورقة بحثية بدون مؤلف (2015) " التوحد: التشخيص والعلاج في ضوء النظريات" ، تم استرجاع المعلومات عن الموقع الإلكتروني بتاريخ 12/1/2017م، متوفر: https://slpemad.files.wordpress.com/2015/04/d8a7
يحيى،  خولة أحمد ( 2000 ) ، الاضطرابات السلوكية والانفعالية،عمان: دار الفكر للنشر والتوزيع.

المراجع باللغة الإنجليزية:

Abrahams B. S., & Geschwind D.H. (2008), " Advances in autism genetics: on the threshold of a new neurobiology" , Nature Reviews Genetics, 9(5),pp  341-355.
Cermak, S. A., Curtin, C., & Bandini, L. G. (2010)." Food selectivity and sensory sensitivity in children with autism spectrum disorders" . Journal of American Dietetic Association, 110(2), pp 238-246. : 10.1016/j.jada.2009.10.03
Gabrielle M. Lober ( 2015), "Autism Spectrum Disorder: A Case Study of  Mikey" , Honors Thesis, Department of Occupational Therapy, Western Michigan University; Kalamazoo, USA, pp 1-25, Paper 2633.
Monroe , Dana, M (2009)," Literacy & Autism: Case Studies  of two Kindergarten Children, their Teachers, & their Parents ", A Dissertation, Submitted to the School of Graduate Studies and Research, Requirements for the Degree Doctor of Education, Indiana University of Pennsylvania, PP 1 – 107.
Tanner, K., Hand, B., O’Toole, G., & Lane, A. E (2015), " Effectiveness of interventions to improve social participation, play, leisure, and restricted and repetitive behaviors in people with autism spectrum disorder: A systematic review", American Journal of Occupational Therapy, 69(5), pp 114- 128 .
Tipton, A. Leigh (2014), " The Parent’s Role: Shared Book Reading and the Child with ASD" , by Doctor of Philosophy, Graduate Program in Education University of California, Riverside, PP 1 – 91.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق