تفسير القرأن الكريم , دروس ومواعظ دينية قرآن فلاش المصاحف الشهيرة لتختار منها المصحف الذي اعتدت التلاوة منه تجول فى مدينة القدس الشريف دليل المواقع الاخبارية , العالمية والمحلية راديو و إذاعة الاصول

الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

التنظيم في المعرفة

التنظيم في المعرفة العلمية
د. سُمية عيد

تبحث المعرفة الفلسفية في عالم منظمٍ بالفعل، إذ يقوم العقل البشري بالتأمل والإدراك والتعرف والملاحظة واستقراء ما يتأمله ، وكذلك تبحث المعرفة الأسطورية أيضاً في عالم منظم حين يقوم العقل البشري بالتأمل والتخيل والبناء الأسطوري، من منطلق إن التنظيم سمة من سمات الكون، فالكون منظم بذاته.
أما المعرفة العلمية فإنها تُؤكد غير ذلك، إذ إن العقل البشري يبحث في عالم غير منظم فهو بذلك يسعى إلى التنظيم، فالتنظيم في المعرفة العلمية يُمثل النهايات ، بينما يُمثل التنظيم في المعارف الأخرى البدايات   .
بناءً على ما تقدم ، يُمكن أن نسمي المعرفة العلمية بالمعرفة المنهجية أو التفكير العلمي،  وبهذا نميزها عن المعرفة التي تفتقر إلى التخطيط والتنظيم.
كذلك فإن كل شيء يتغير في المعرفة العلمية باستثناء المنهج المتبع، فعند التعرف على المعرفة العلمية من خلال إنجازاتها  ونتائجها ، فإننا نتعرف على  إنجازات عديدة ونتائج مختلفة قد تتغير عبر الزمان والمكان، لكننا لا يُمكن إيجاد معرفة علمية دون منهج متبع، فالمنهج ملازم للمعرفة العلمية وثابت الوجود  فيها.
 هذا لا يعني إن المنهج ثابت بذاته، فهو متغير ومتعدد الأشكال والأنواع تبعاً لتغير المعرفة العلمية، فالمنهج المتبع في العلوم الإنسانية يختلف عن المتبع في العلوم الطبيعية، كذلك يختلف المنهج باختلاف التكنولوجيا السائدة، فلا وجود لمنهج ثابت بذاته، وإنما هناك وجود لمنهج ملازم للمعرفة العلمية على الدوام، فوجود المنهج أياً كان نوعه وشكله هو السمة الثابتة في كل معرفة علمية.
ولتوضيح التنظيم الذي يسعى العقل البشري إلى إيجاده، لا بد من اتباع منهج ما، إذ يبدأ المنهج العلمي بالملاحظة الحسية والحس عقلية، نظراً لأهميتها المتمثلة في جمع المعلومات، إلاّ إن الملاحظة الحسيّة كانت سائدة قبل اكتشاف التكنولوجيا، فقد أصبح اليوم ما يُعرف بالملاحظة (الحس عقلية) بوجود أجهزة الرصد الحديثة والأجهزة الإلكترونية والأقمار الصناعية والشبكة الإلكترونية والبرمجيات التكنولوجية فمن خلالها يُمكن توفير الملاحظة(الحس عقلية)  فهي ليست حسية خالصة وإنما يشوبها الجوانب العقلية ، ويلي الملاحظة التجريب والانخراط في العمل الميداني أو التطبيقي ، ومن ثم يتم جمع الجزئيات التي تم التوصل إليها من خلال تعميم، أو قانون، أو نظرية، وما شابه ذلك، وفي معظم الحالات لا تتوقف المعرفة العلمية عند هذا الحد ، بل هناك استنباط واستخلاص نتائج فرعية.
من هنا يُمكن القول إن المنهج المستخدم في المعرفة العلمية يرتكز على عنصريْن متداخليْن: (التجريبي والعقلي) وفي معظم الأحيان تبدأ المعرفة العلمية تجريبية استقرائية وحين تتطور وتنضج تكتسب الصبغة العقلية الاستنباطية.
هذا ويتقن كثير من الباحثين والمختصين الخطوط العامة التي اتبعها العلماء السابقون ؛ للوصول إلى معرفة علمية هنا أو هناك من خلال بحوثهم، إلاّ إن هذا الواقع مشوباً  بالأخطاء فالمسألة ليست تطبيق آلي لمجموعة من القواعد ، فالتنظيم في المعرفة العلمية يحتاج إلى الاستعداد الطبيعي الذي يُمكّن الباحث من تجاوز المنهج المتعارف عليه في ميدانه ووضع قواعده الخاصة به إذا اقتضى الأمر.
دعونا نتعايش التنظيم ، ونبحث في عالم غير منظم إلى عالم منظم، ونستفيد من ارستقراطية المعرفة السائدة في العصور السابقة دون التوقف عندها ، لننتقل إلى ديمقراطية وعالمية المعرفة العلمية.


تم بلورة الفكرة بعد قراءة  كتاب: التفكير العلمي للدكتور فؤاد زكريا، 2007م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق